صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتِ الْمَرْأَةُ بِنَذْرِهَا فَقَالَ: " بِئْسَ مَا جَزَيْتِهَا، أَوْ فَدَيْتِهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» . وَفِي لَفْظٍ: فَأَخَذَ نَاقَتَهُ، وَلِلْجُمْهُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: ٨] سَمَّاهُمْ فُقَرَاءَ، وَالْفَقِيرُ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مَلَكُوا أَمْوَالَهُمُ الَّتِي خَلَّفُوهَا وَهَاجَرُوا عَنْهَا، وَلَيْسَ مَنْ يَمْلِكُ مَالًا وَهُوَ فِي مَكَانٍ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ فَقِيرًا، بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِابْنِ السَّبِيلِ، وَلِذَا عُطِفُوا عَلَيْهِمْ فِي نَصِّ الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُونَ مِمَّا فِي الصَّحِيحَيْنِ، «أَنَّهُ قِيلَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْفَتْحِ: أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: " هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «أَتَنْزِلُ بِدَارِكَ؟ قَالَ: " فَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ» . وَإِنَّمَا قَالَ ; لِأَنَّ عَقِيلًا كَانَ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا هُوَ دَلِيلُ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، فَإِنَّ عَقِيلًا إِنَّمَا اسْتَوْلَى عَلَى الرِّبَاعِ بِإِرْثِهِ إِيَّاهَا مِنْ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ عَلِيًّا وَجَعْفَرًا مُسْلِمَيْنِ، وَعَقِيلًا وَطَالِبًا كَافِرَيْنِ، فَوَرِثَاهُ ; لِأَنَّ الدِّيَارَ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا هَاجَرُوا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا فَمَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ قَالَ: «وَجَدَ رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ نَاقَةً لَهُ، فَارْتَفَعَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْعَدُوِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْخُذَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ فَأَنْتَ أَحَقُّ وَإِلَّا فَخَلِّ عَنْ نَاقَتِهِ» ". وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مُسْنَدًا، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَفِي سَنَدِهِ يَس الزَّيَّاتُ مُضَعَّفٌ، وَأَخْرَجَ الدَّارُقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «فِيمَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ فَاسْتَنْفَذَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ إِنْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ قُسِّمَ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ» . وَضُعِّفَ بِالْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ. وَأَخْرَجَ الدَّارُقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «مَنْ وَجَدَ مَالَهُ فِي الْفَيْءِ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ لَهُ، وَمَنْ وَجَدَهُ بَعْدَ مَا قُسِّمَ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ» " وَضُعِّفَ بِإِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ فِيهِ رَشْدِينُ وَضُعِّفَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ فِي الْفَيْءِ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ أَدْرَكَ بَعْدَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ» " وَفِيهِ يس ضُعِّفَ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ مَا أَخَذَ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ لَهُ، وَمَا قُسِّمَ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ إِلَّا بِالْقِيمَةِ. قَالَ: وَهَذَا إِنَّمَا رَوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ عَمْرٍو، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ عُمَرَ مُرْسَلًا، وَكِلَاهُمَا لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ.
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدِهِ إِلَى قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: فِيمَا أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَعَرَفَهَ صَاحِبُهُ إِنْ أَدْرَكَ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ جَرَتْ فِيهِ السِّهَامُ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُهُ. وَرُوِيَ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إِلَى قَتَادَةَ عَنْ جُلَاسٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَنِ اشْتَرَى مَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَشُكُّ بَعْدَ هَذِهِ الْكَثْرَةِ فِي أَصْلِ هَذَا الْحُكْمِ، وَيَدُورُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ تَضْعِيفٍ بِالْإِرْسَالِ، أَوِ التَّكَلُّمِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، فَإِنَّ الظَّنَّ بِلَا شَكٍّ يَقَعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ، وَأَنَّ هَذَا الْجَمْعَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَتَعَمَّدُوا الْكَذِبَ، وَيَبْعُدُ أَنَّهُ وَقَعَ غَلَطٌ لِلْكُلِّ فِي ذَلِكَ، وَتَوَافَقُوا فِي هَذَا الْغَلَطِ، بَلْ لَا شَكَّ أَنَّ الرَّاوِيَ الضَّعِيفَ إِذَا كَثُرَ مَجِيءُ مَعْنَى مَا رَوَاهُ يَكُونُ مِمَّا أَجَادَ فِيهِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ الضَّعِيفَ الْغَلَطُ دَائِمًا، وَلَا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ حَالِهِ السَّهْوَ وَالْغَلَطَ، هَذَا مَعَ اعْتِضَادِهِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَةِ، وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَحَدِيثُ الْعَضْبَاءِ كَانَ قَبْلَ إِحْرَازِهِمْ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: وَكَانُوا إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا إِلَخْ. فَإِنَّهُ يُفْهَمُ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَهُمْ فِي الطَّرِيقِ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْأَصْلِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute