٣٩٩٣ - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ؟ ! فَقَالَ: " إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ " قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
٣٩٩٣ - (عَنْ جُبَيْرٍ) : بِالتَّصْغِيرِ (ابْنِ مُطْعِمٍ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمُحْسِنٍ ابْنِ عَدِيٍّ. مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ النَّوْفَلِيُّ، أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَنَزَلَ الْمَدِينَةَ، مَاتَ بِهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَكَانَ مِنْ أَنْسَبِ قُرَيْشٍ. (قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ) : وَهُوَ أُمَوِيٌّ قُرَشِيٌّ (إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ) أَيْ: مِنْ كَوْنِنَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّ هَاشِمًا وَالْمُطَّلِبَ وَنَوْفَلًا وَعَبْدَ شَمْسٍ، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَعَبْدُ مَنَافٍ هُوَ الْجَدُّ الرَّابِعُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجُبَيْرٌ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ، وَعُثْمَانُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. (فَقَالَ: " إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ:) أَيْ: كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِأَنْ كَانُوا مُتَرَافِقَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ مُتَعَاوِنَيْنِ، فَلَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ مُخَالَفَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: أَرَادَ الْحِلْفَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَبِنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِنَّمَا لَمْ تَفْتَرِقْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا فِي إِسْلَامٍ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَرْوِيهِ سِيٌّ وَاحِدٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ يَعْنِي وَبِالتَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ: سَوَاءٌ يُقَالُ: هَذَا سِيُّ هَذَا أَيْ: مِثْلُهُ وَنَظِيرُهُ، وَالْمَعْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقْتَرِنٌ بِالْآخَرِ مُلَاصِقٌ بِهِ، لَا يُقَالُ لَهُمَا سِيَّانِ بَلْ سِيٌّ وَاحِدٌ، وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ لَا تَخْفَى. ( «قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا» ) : لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ مُوَافَقَةٌ، بَلْ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَلِهَذَا أَحْرَمَهُمْ عَنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] لِلتَّبَرُّكِ بِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ لَهُ سُبْحَانَهُ سَهْمًا كَمَا لِكُلٍّ مِنَ الْأَصْنَافِ سَهْمٌ، فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ فَسَهْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاحِدٌ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سَهْمُ اللَّهِ ثَابِتٌ يُصْرَفُ إِلَى بِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِنْ كَانَتْ خَرِبَةً وَإِلَّا فَإِلَى كُلِّ مَسْجِدٍ مِنْ كُلِّ بَلْدَةٍ ثَبَتَ فِيهَا الْخُمُسُ، وَدَفَعَهُ أَنَّ السَّلَفَ فَسَّرُوهُ بِمَا ذُكِرَ أَوَّلًا. رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَذَا عَنِ ابْنِ عَمَّارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَرَأَ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ مِفْتَاحُ الْكَلَامِ: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: ٢٨٤] وَفِي غَيْرِهِ حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا خُمُسَ الْغَنِيمَةِ فَصَرَفَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ وَعَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ تَكُونُ سِتَّةً. وَكَذَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ. قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامٍ لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، وَسَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِرِسَالَتِهِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ، وَالصَّفِيُّ شَيْءٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ مِثْلُ دِرْعٍ وَسَيْفٍ وَجَارِيَةٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِخْرَاجِ الْخُمُسِ، كَمَا اصْطَفَى ذَا الْفَقَارِ، وَهُوَ سَيْفُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ حِينَ أَتَى بِهِ عَلِيٌّ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ مُنَبِّهًا، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَكَمَا اصْطَفَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ مِنْ غَنِيمَةِ خَيْبَرَ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، عَنْ عَائِشَةَ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصْرَفُ سَهْمُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَلِيفَةِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِإِمَامَتِهِ لَا بِرِسَالَتِهِ، وَدُفِعَ بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ إِنَّمَا قَسَّمُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ فَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَ لَقَسَّمُوهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَرَفَعُوا سَهْمَهُ لَا يُقْسَمُ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ، وَأَيْضًا فَهُوَ حُكْمٌ عُلِّقَ بِمُشْتَقٍّ وَهُوَ الرَّسُولُ، فَيَكُونُ مَبْدَأُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً وَهُوَ الرِّسَالَةُ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْخُمُسَ يُقْسَمُ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ، فَيُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ ; لِأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنَ الْفُقَرَاءِ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَذَوِي الْقُرْبَى لَا يَحِلُّ لَهُمْ، هَذَا رَأْيُ الْكَرْخِيِّ وَرَأْيُ الطَّحَاوِيِّ، أَنَّهُ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْيَتَامَى مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى فِي سَهْمِ الْيَتَامَى الْمَذْكُورِينَ دُونَ أَغْنِيَائِهِمْ، وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ، وَالْمَسَاكِينُ مِنْهُمْ فِي سَهْمِ الْمَسَاكِينِ، وَفُقَرَاءُ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى فِي أَبْنَاءِ السَّبِيلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute