للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَحِلُّ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مِنَ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ وَلَا غُسَالَةِ الْأَيْدِي إِنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ وَيَكْفِيكُمْ» . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ بِلَفْظِ: رَغِبْتُ عَنْ غُسَالَةِ أَيْدِ النَّاسِ إِنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ، وَهُوَ إِسْنَادٌ حَسَنٌ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى، فَيَقْتَضِي اعْتِقَادَ اسْتِحْقَاقِ فُقَرَائِهِمْ وَكَوْنِهِمْ مَصْرَفًا مُسْتَمِرًّا، وَيُنَافِيهِ اعْتِقَادُ حَقِيقَةِ مَنْعِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إِيَّاهُمْ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا رَوَيْنَا: أَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا ذَوِي الْقُرْبَى شَيْئًا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ فُقَرَائِهِمْ، وَكَذَا يُنَافِيهِ إِعْطَاؤُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ كَمَا رُوِيَ: أَنَّهُ أَعْطَى الْعَبَّاسَ، وَكَانَ لَهُ عِشْرُونَ عَبْدًا يَتَّجِرُونَ. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُمْ لِلنُّصْرَةِ يَدْفَعُ السُّؤَالَ الثَّانِيَ، لَكِنْ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْمُنَاقَضَةَ مَعَ مَا قَبْلَهُ ; لِأَنَّ الْحَاصِلَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ نَصَرَتْهُ، وَذَلِكَ لَا يَخُصُّ الْفَقِيرَ مِنْهُمْ، وَمِنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَالْعَبَّاسِ، فَكَانَ يَجِبُ عَلَى الْخُلَفَاءِ أَنْ يُعْطُوهُمْ، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوهُمْ، بَلْ حَصَرُوا الْقِسْمَةَ فِي الثَّلَاثَةِ، وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا سَيَرْوِيهِ فِي تَصْحِيحِ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ: أَنَّ عُمَرَ أَعْطَى الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ سَهْمًا، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ إِعْطَاءُ عُمَرَ بِقَيْدِ الْفُقَرَاءِ مَرْوِيًّا، بَلِ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ حَدَّثَنَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْسِمْ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَا لَبَنِي نَوْفَلٍ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا كَمَا قَسَمَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْسِمُ الْخُمُسَ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِي قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا كَانَ يُعْطِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عُمَرُ يُعْطِيهِمْ وَمَنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنْهُ.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى سَمِعْتُ عَلِيًّا قَالَ: اجْتَمَعْتُ أَنَا وَالْعَبَّاسُ وَفَاطِمَةُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي حَقَّنَا فِي هَذَا الْخُمُسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أُقَسِّمُهُ فِي حَيَاتِكَ لِئَلَّا يُنَازِعَنِيَ أَحَدٌ بَعْدَكَ فَافْعَلْ. قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ فَقَسَمْتُهُ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وِلَايَةَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَتَّى كَانَ آخِرَ سَنَةٍ مِنْ سِنِي عُمَرَ أَتَاهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَعَزَلَ حَقَّنَا، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إِلَيَّ فَقُلْتُ: بِنَا الْعَامُ غِنًى وَبِالْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ فَارْدُدْهُ عَلَيْهِمْ فَرَدَّهُ، ثُمَّ لَمْ يَدْعُنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَ عُمَرَ، فَلَقِيتُ الْعَبَّاسَ بَعْدَ مَا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ! حَرَمْتَنَا الْغَدَاةَ شَيْئًا لَا يُرَدُّ عَلَيْنَا، فَكَانَ رَجُلًا ذَاهِبًا، فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدُ الْإِعْطَاءِ بِفَقْرِ الْمُعْطَى مِنْهُمْ، وَكَيْفَ الْعَبَّاسُ كَانَ مِمَّنْ يُعْطَى وَلَمْ يَتَّصِفْ بِالْفَقْرِ، مَعَ أَنَّ الْحَافِظَ الْمُنْذِرِيَّ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَقْسِمْ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَفِي حَدِيثِ: أَنَّهُ قَسَمَ لَهُمْ، وَحَدِيثُ جُبَيْرٍ صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ لَا يَصِحُّ اهـ.

وَالَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُعْطُوا ذَوِي الْقُرْبَى لِبَيَانِ مَصْرِفِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ مَنْعُهُمْ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقُرْبَى وَإِنْ قُيِّدَتْ بِالنُّصْرَةِ وَالْمُؤَازَرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ بَقُوا بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يُعْطُوهُمْ كَانَ الْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ حَتَّى جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ كَأَنْ يُعْطَى تَمَامُ الْخُمُسِ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَأَنْ يُعْطَى تَمَامُهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَأَنْ يُعْطَى تَمَامُهُ لِلْيَتَامَى، كَمَا ذَكَرْنَا عَنِ التُّحْفَةِ، فَجَازَ لِلرَّاشِدِينَ أَنْ يَصْرِفُوهُ إِلَى غَيْرِهِمْ خُصُوصًا، وَقَدْ رَأَوْهُمْ أَغْنِيَاءَ مُتَمَوِّلِينَ إِذْ ذَاكَ، وَرَأَوْا صَرْفَهُ إِلَى غَيْرِهِمْ أَنْفَعُ، وَنَقُولُ مَعَ ذَلِكَ: إِنَّ الْفَقِيرَ مِنْهُمْ مَصْرِفٌ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَأَمَّا أَنَّهُ يَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ ; لِأَنَّ كَوْنَهُمْ مَصَارِفَ كَانَ لِلنُّصْرَةِ، فَلِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ بِسَنَدِهِ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَضَعَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَتَرَكَ بَنِي نَوْفَلٍ، وَبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وُضِعَ فِيهِمْ فَمَا بَالُ إِخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " إِنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَا نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى نُصْرَتِهِمْ إِيَّاهُ نُصْرَةَ الْمُؤَانَسَةِ وَالْمُوَافَقَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ إِذْ ذَاكَ آخِرَ قِتَالٍ، فَهُوَ يُشِيرُ إِلَى دُخُولِهِمْ مَعَهُ فِي الشِّعْبِ حِينَ تَعَاقَدَتْ قُرَيْشٌ عَلَى هِجْرَانِ بَنِي هَاشِمٍ، وَأَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَالْقِصَّةُ فِي السِّيرَةِ شَهِيرَةٌ وَعَنْ هَذَا اسْتَحَقَّتْ ذَرَّارِيهِمْ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي نُصْرَةٌ مِنْهُمْ. وَهَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَرَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>