قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: فَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا ; لِأَنَّ الضَّرُورَةَ انْدَفَعَتْ، وَالْإِبَاحَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِنَّمَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِهَا؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُورَثَ نَصِيبُهُ، وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ، وَمَنْ فَضُلَ مَعَهُ طَعَامٌ، أَوْ عَلَفٌ يَرُدُّهُ إِلَى الْغَنِيمَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَسَمَ الْغَنِيمَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِشَرْطِهِ، وَلَوِ انْتَفَعَ بِهِ قَبْلَ قِسْمَتِهَا بَعْدَ الْإِفْرَازِ يَرُدُّ قِيمَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ اعْتِبَارًا بِالْمُتَلَصِّصِ، وَهُوَ الْوَاحِدُ الدَّاخِلُ وَالِاثْنَانِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ إِذَا أَخَذَ شَيْئًا فَأَخْرَجَهُ يَخْتَصُّ بِهِ. قُلْنَا: مَالٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَانِمِينَ وَالِاخْتِصَاصُ كَانَ لِلْحَاجَةِ، وَقَدْ زَالَتْ بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ ; لِأَنَّهُ دَائِمًا أَحَقُّ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَبَعْدَهُ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَيَتَصَدَّقُونَ بِعَيْنِهِ إِنْ كَانَ قَائِمًا، وَبِقِيمَتِهِ إِنْ كَانُوا بَاعُوهُ، هَذَا إِذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَانْتَفَعُوا بِهِ إِنْ كَانُوا مَحَاوِيجَ ; لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ؛ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ عَلَى الْغَانِمِينَ لِتَفَرُّقِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا تَصَرَّفُوا فِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى هَذَا قِيمَةُ مَا انْتَفَعَ بِهِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ يَتَصَدَّقُ بِهِ الْغَنِيُّ لَا الْفَقِيرُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute