للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: الْحُدَيْبِيَةُ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَكَّةَ أَكْثَرُهَا فِي الْحَرَمِ، وَهِيَ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْحُدَيْبِيَةَ خَارِجُ الْحَرَمِ. قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا أَضَافَ الْعَامَ إِلَيْهَا لِنُزُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا حِينَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ اهـ. (فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً) : بِسُكُونِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ، وَالْبِضْعُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُفْتَحُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى التِّسْعَةِ أَيْ: مَعَ أَلْفٍ وَمِائَةٍ (مِنْ أَصْحَابِهِ) ، وَقَدْ سَبَقَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ جَمْعٍ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةِ رَجُلٍ، وَقِيلَ: أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ. وَعَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ: أَنَّهُمْ كَانُوا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ. قَالَ صَاحِبُ الْمَوَاهِبِ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَمَنْ قَالَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ جَبَرَ الْكَسْرَ وَمَنْ قَالَ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ فَيُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ، وَاطَّلَعَ غَيْرُهُ عَلَى زِيَادَةِ مِائَتَيْنِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِمْ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ: إِنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ فَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ قَالَ اسْتِنْبَاطًا مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ نَحَرْنَا الْبَدَنَةَ عَنْ عَشَرَةٍ، وَكَانُوا نَحَرُوا سَبْعِينَ بَدَنَةً وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَا كَانُوا نَحَرُوا غَيْرَ الْبُدْنِ مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ أَصْلًا، وَجَزَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَلْفًا وَسِتَّمِائَةٍ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَلْفٌ وَسَبْعُمِائَةٍ. وَحَكَى ابْنُ سَعْدٍ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، (فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ، قَلَّدَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: تَقْلِيدُهُ أَنْ يُعَلَّقَ شَيْءٌ عَلَى عُنُقِ الْبَدَنَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ، وَإِشْعَارُهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي سَنَامِهِ الْأَيْمَنِ، أَوِ الْأَيْسَرِ، حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ مِنْهُ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ (وَأَحْرَمَ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ تِلْكَ الْبُقْعَةِ (بِعُمْرَةٍ، وَسَارَ) : فِي الْمَوَاهِبِ نَقْلًا عَنِ الْبُخَارِيِّ: وَأَحْرَمَ مِنْهَا. وَفِي رِوَايَةٍ: أَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ، وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ، فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ أَيْ: أَحْيَاءً مِنَ النَّادَّةِ انْضَمُّوا إِلَى بَنِي لَيْثٍ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ. فَقَالَ أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ، أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِي يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ، وَفِيهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ، فَتَوَجَّهْ بِنَا فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ. قَالَ: امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ) . فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ) : بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ، وَهِيَ الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّرِيقُ (الَّتِي يُهْبَطُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ: عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ (مِنْهَا) أَيْ: مِنَ الثَّنِيَّةِ (بَرَكَتْ بِهِ) أَيْ: بِالنَّبِيِّ (رَاحِلَتُهُ) ، وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ (فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ) : بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَلَامٍ مُخَفَّفَةٍ زَجْرٌ لِلْبَعِيرِ إِذَا حَثَثْتَهُ عَلَى الِانْبِعَاثِ، وَالثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ فِي الزَّجْرِ، وَيُنَوَّنُ الْأَوَّلُ إِذَا وُصِلَتْ بِالْأُخْرَى، وَالْمُحَدِّثُونَ يُسَكِّنُونَهَا فِي الْوَصْلِ. وَفِي الْمَوَاهِبِ: فَالْحَثُّ أَيْ: تَمَادَتْ عَلَى عَدَمِ الْقِيَامِ (فَقَالُوا: خَلَأَتِ) : بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَالْهَمْزَةِ أَيْ: بَرَكَتْ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَحَزِنَتْ (الْقَصْوَاءُ) بِفَتْحِ الْقَافِ مَمْدُودًا لِلنَّاقَةِ الْمَقْطُوعِ طَرَفُ أُذُنِهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةٌ تُسَمَّى قَصْوَاءَ وَلَمْ تَكُنْ مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ (خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ) كُرِّرَ تَأْكِيدًا لِعَدَمِ انْبِعَاثِهَا وَحَسِبُوا أَنَّهُ بِسَبَبِ تَعَبِهَا، أَوْ أَنَّهُ مِنْ عَادَتِهَا (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ) أَيْ: لِلْعِلَّةِ الَّتِي تَظُنُّونَهَا (وَمَا ذَاكَ) أَيِ: الْخَلَأُ وَهُوَ لِلنَّاقَةِ كَالْحِرَانِ لِلْفَرَسِ (لَهَا بِخُلُقٍ) بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي أَيْ: بِعَادَةٍ (وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ) أَيْ: مَنَعَهَا مِنَ السَّيْرِ كَيْلَا تَدْخُلَ مَكَّةَ مَعَ أَصْحَابِ الْفِيلِ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِئَلَّا تَقَعَ مُحَارَبَةٌ وَإِرَاقَةُ دَمٍ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ أَوَانِهِ لَوْ قُدِّرَ دُخُولُهَا، كَمَا لَوْ قُدِّرَ دُخُولُ الْفِيلِ، لَكِنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ، وَسَيَخْرُجُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ نَاسٌ يُسْلِمُونَ وَيُجَاهِدُونَ.

قَالَ الْقَاضِي: رُوِيَ أَنَّ أَبَرْهَةَ لَمَّا هَمَّ بِتَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ وَاسْتِبَاحَةِ أَهْلِهَا تَوَجَّهَ إِلَيْهَا فِي عَسْكَرِهِمْ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى ذِي الْمَجَازِ امْتَنَعَتِ الْفِيَلَةُ مِنَ التَّوَجُّهِ نَحْوَ مَكَّةَ، وَإِذَا صُرِفَتْ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا أَسْرَعَتْ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>