وَذُو الْمَجَازِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ: سُوقٌ كَانَتْ لَهُمْ عَلَى فَرْسَخٍ وَمِنْ عَرَفَةَ بِنَاحِيَةِ كَبْكَبَ. (ثُمَّ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي) : بِتَخْفِيفِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ، وَضَمِيرُ الْجَمْعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمَعْنَى لَا يَطْلُبُونَنِي (خُطَّةً) : بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: خَصْلَةً أُرِيدَ بِهَا الْمُصَالَحَةُ حَالَ كَوْنِهِمْ (يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ) : جَمْعُ حُرْمَةٍ أَرَادَ بِهَا حُرْمَةَ الْحَرَمِ، وَالْإِحْرَامُ بِالْكَفِّ فِيهَا عَنِ الْقِتَالِ (إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا) أَيْ: تِلْكَ الْخُطَّةَ الْمَسْئُولَةَ قَالَ الْقَاضِي: الْمَعْنَى لَا يَسْأَلُونِي خَصْلَةً يُرِيدُونَ بِهَا تَعْظِيمَ مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ وَتَحْرِيمَ هَتْكِ حُرْمَتِهِ إِلَّا أُسْعِفُهُمْ إِلَيْهَا، وَوَضَعَ الْمَاضِيَ مَوْضِعَ الْمُضَارِعِ مُبَالَغَةً فِي الْإِسْعَافِ (ثُمَّ زَجَرَهَا) أَيِ: الْإِبِلُ (فَوَثَبَتْ) أَيْ: قَامَتْ بِسُرْعَةٍ (فَعَدَلَ عَنْهُمْ) أَيْ: مَالَ عَنْ طَرِيقِ أَهْلِ مَكَّةَ وَدُخُولِهَا وَتَوَجَّهَ غَيْرَ جَانِبِهِمْ، وَأَغْرَبَ شَارِحٌ فَقَالَ أَيِ: انْحَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَذَهَبَ أَمَامَهُمْ، (حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ) أَيْ: بِآخِرِهَا مِنْ جَانِبِ الْحَرَمِ (عَلَى ثَمَدٍ) : بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ أَيْ: مَاءٍ قَلِيلٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَوْضِعُهُ، مَجَازٌ لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ، كَانَ هُنَاكَ حُفْرَةٌ فِيهَا مَاءٌ قَلِيلٌ بِدَلِيلِ وَصْفِهِ بِقَوْلِهِ: (قَلِيلِ الْمَاءِ) : وَقِيلَ: إِنَّهُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ فَوَصَفَهُ بِالْقِلَّةِ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا بِلَفْظِ الثَّمَدِ إِرَادَةً لِلتَّأْكِيدِ فِي كَوْنِهِ أَقَلَّ الْقَلِيلِ. قَالَ الْقَاضِي: وَالثَّمَدُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ الَّذِي لَا مَادَّةَ لَهُ، وَسُمِّيَ قَوْمُ صَالِحٍ ثَمُودَ لِنُزُولِهِمْ عَلَى ثَمَدٍ. (يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ) : بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: يَأْخُذُونَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا (تَبَرُّضًا) ، مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ (فَلَمْ يَلْبَثْهُ النَّاسُ) : بِالتَّخْفِيفِ وَيُشَدَّدُ مِنْ أَلْبَثَ وَلَبِثَ بِمَعْنًى عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ أَيْ: لَمْ يَجْعَلُوا لُبْثَ ذَلِكَ الْمَاءِ طَوِيلًا فِي تِلْكَ الْبِئْرِ (حَتَّى نَزَحُوهُ) أَيِ: الْمَاءَ (وَشُكِيَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشُ) أَيْ: شَكَوْا عَدَمَ الْمَاءِ الْمُوجِبَ لِلْعَطَشِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَانْتَزَعَ) أَيْ: أَخْرَجَ (سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ) ، بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ: جَعْبَتِهِ (ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ) أَيِ: السَّهْمَ (فِيهِ) أَيْ: فِي مَكَانِ الْمَاءِ (فَفَعَلُوا) : وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى إِجْرَاءِ خَرْقِ الْعَادَةِ عَلَى أَيْدِي أَتْبَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ) أَيْ: يَفُورُ مَاؤُهُ (لَهُمْ بِالرِّيِّ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ: بِمَا يَرْوِيهِمْ مِنَ الْمَاءِ، أَوْ بِالْمَاءِ الْكَثِيرِ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَيْنٌ رَيَّةٌ أَيْ: كَثِيرَةُ الْمَاءِ (حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ) أَيْ: رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ رَاضِينَ، (فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ) : بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ (ابْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ) : بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (فِي نَفَرٍ فِي خُزَاعَةَ) ، قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْعَرَبِ (ثُمَّ أَتَاهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ) أَيْ: ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. (إِلَى أَنْ قَالَ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِصَارَ مِنْ صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَاوِيًا بِسَنَدِهِ عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ. (إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ) : بِالتَّصْغِيرِ (ابْنُ عَمْرٍو) : بِالْوَاوِ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اكْتُبْ) أَيْ: يَا عَلِيُّ (هَذَا مَا قَاضَى) أَيْ: صَالَحَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَفِي نُسْخَةٍ قَضَى (عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ: فَصَلَ بِهِ أَمْرَ الْمُصَالَحَةِ مِنْ قَضَى الْحُكْمَ إِذَا فَصَلَ الْحُكُومَةَ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ عَلَى زِنَةِ فَاعَلَ ; لِأَنَّ فَصْلَ الْقَضِيَّةِ كَانَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَيْ: هَذَا مَا صَالَحَ مَعَ أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ اعْلَمْ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا فِي الْمَوَاهِبِ هَكَذَا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلٌ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ أَيْ: ذَوَاتِ الْمَادَّةِ كَالْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ وَالْعُوذُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ عَائِذٍ وَهِيَ النَّاقَةُ ذَاتُ اللَّبَنِ، وَالْمَطَافِيلُ الْأُمَّهَاتُ الَّتِي مَعَهَا أَطْفَالُهَا يُرِيدُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ لِإِرَادَةِ طُولِ الْمَقَامِ؛ لِيَكُونَ أَدْعَى إِلَى عَدَمِ الْفِرَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهَكَتْهُمُ الْحَرْبُ أَيْ: أَضْعَفَتْهُمْ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ إِنْ شَاءُوا فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدَ جَمُّوا يَعْنِي اسْتَرَاحُوا، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute