للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ: أَرَادُوا أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابَ الصُّلْحِ (كَتَبُوا) أَيْ: كَتَبَ كَاتِبُهُمْ وَهُوَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرِضَاهُمْ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ (هَذَا) : إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي الذِّهْنِ، أَوْ إِلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْخَارِجِ (مَا قَاضَى) أَيِ: الَّذِي صَالَحَ (عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا) أَيْ: قَالَ بَعْضُ كَفَّارِ مَكَّةَ وَهُوَ سُهَيْلٌ (لَا نُقِرُّ بِهَا) أَيْ: لَا نَعْتَرِفُ بِرِسَالَتِكَ وَلَا نَرْضَى بِكِتَابِكَ (فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَنَعْنَاكَ) : هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيلٍ لِقَوْلِهِ: لَا نُقِرُّ بِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: لَوْ تَقْتَضِي أَنْ يَلِيَهَا الْمَاضِي فَمَا فَائِدَةُ الْعُدُولِ إِلَى الْمُضَارِعِ؟ قُلْتُ: لِيَدُلَّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ أَيِ: اسْتَمَرَّ عَدَمُ عِلْمِنَا بِرِسَالَتِكَ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ مِنَ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: ٧] . وَقَوْلِكَ: لَوْ تُحْسِنُ إِلَيَّ لَشَكَرْتَ (وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) . فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) أَيْ: هُمَا مُتَلَازِمَانِ لَا يَنْفَكَّانِ سَوَاءً ذُكِرَا جَمِيعًا، أَوِ اقْتُصِرَ عَلَى أَحَدِهِمَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ يَعْنِي اسْتِدْرَاكُكُمْ بِقَوْلِكُمْ: أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بَدَلَ قَوْلِي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الرِّسَالَةَ تَثْبُتُ بِدَعْوَاهَا وَإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ لَهَا، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَهُوَ كَقَوْلِ الرُّسُلِ: {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} [يس: ١٦] جَوَابًا عَلَى قَوْلِهِمْ: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [يس: ١٥] اهـ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: ١١] وَأَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْبُرْدَةِ بِقَوْلِهِ: فَمَبْلَغُ الْعِلْمِ مِنْهُ أَنَّهُ بَشَرٌ وَأَنَّهُ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ كُلِّهِمُ (ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) : لِمَا سَبَقَ أَنَّهُ الْكَاتِبُ (امْحُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : بِالنَّصْبِ أَيْ: هَذَا اللَّفْظَ، وَحُكِيَ الرَّفْعُ عَلَى الْحِكَايَةِ (قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ) أَيْ: اسْمَكَ (أَبَدًا. فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ) : مِنَ الْإِحْسَانِ بِمَعْنَى الْإِجَادَةِ (يَكْتُبُ) أَيْ: أَنْ يَكْتُبَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ فَحُذِفَ أَنْ وَرُفِعَ الْفِعْلُ، وَهُوَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَيْ: فَأَخَذَ الْكِتَابَ مِنْ يَدِ عَلِيٍّ (فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) : وَهُوَ كَذَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: فَأَخَذَ فَكَتَبَ مَعَ الْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ صَرِيحٌ فِي كِتَابَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى كَتَبَ أَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يُكْتَبَ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ فَأَخَذَ لِلْمَحْوِ فَمَحَاهُ بِيَدِهِ لِامْتِنَاعِ عَلِيٍّ بِمُقْتَضَى أَدَبِهِ، فَكَتَبَ أَيْ: أَمَرَهُ بِالْكِتَابَةِ، أَوْ فَكَتَبَ عَلِيٌّ بَعْدَ مَحْوِهِ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَانَ مَكْتُوبًا مِنْ قَبْلِ الْمَحْوِ أَيْضًا، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَثْبَتَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: ٣٦] أَيْ: لَا كِتَابَةَ وَلَا إِجَادَةَ وَلَا اعْتِذَارَ وَلَا إِيذَانَ وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ ثَمَّةَ كِتَابَةٌ، وَلَكِنْ لَا إِجَادَةَ فِيهَا، وَعَلَى هَذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ. قُلْتُ: قَدْ أَشْبَعْنَا الْقَوْلَ فِيمَا سَبَقَ وَنَذْكُرُ هُنَا أَيْضًا مَا يُنَاسِبُ أَنْ يُلْحَقَ، فَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: احْتَجَّ بِهَذَا نَاسٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ بِيَدِهِ وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ إِمَّا بِأَنْ كَتَبَ الْقَلَمُ بِيَدِهِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا كَتَبَ، أَوْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَهُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ زِيَادَةً فِي مُعْجِزَتِهِ، كَمَا عَلَّمَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَجَعَلَهُ تَالِيًا بَعْدَ النُّبُوَّةِ بَعْدَ مَا لَمْ يَكُنْ يَتْلُو قَبْلَهَا، وَهُوَ لَا يَقْدَحُ فِي وَصْفِهِ بِالْأُمِّيِّ، وَاحْتَجُّوا بِآثَارٍ جَاءَتْ فِي هَذَا عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَبَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَتَبَ. قَالَ الْقَاضِي: وَإِلَى جَوَازِ هَذَا ذَهَبَ الْبَاجِيُّ، وَحَكَاهُ عَنِ السِّمْنَانِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمَا، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي زَعَمُوا يُبْطِلُهُ وَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا} [العنكبوت: ٤٨] ،

<<  <  ج: ص:  >  >>