بَابُ إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٤٠٥٠ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «بَيْنَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ، خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ " فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، اعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
فِي النِّهَايَةِ: الْجَزِيرَةُ اسْمُ مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ حَفْرِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي الطُّولِ، وَمَا بَيْنَ رَمْلِ يَزَنَ إِلَى مُنْقَطَعِ السَّمَاوَةِ فِي الْعَرْضِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مِنْ أَقْصَى عَدَنَ أَبْيَنَ إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ طُولًا، وَمِنْ جُدَّةَ وَسَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ عَرْضًا. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: سُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ فَارِسَ وَبَحْرَ السُّودَانِ أَحَاطَ بِجَانِبَيْهَا، وَأَحَاطَ بِالْجَانِبِ الشَّمَالِ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ اهـ.
وَعَنْ مَالِكٍ: أَنَّ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ. وَفِي الْقَامُوسِ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا أَحَاطَ بِهِ بَحْرُ الْهِنْدِ وَبَحْرُ الشَّامِ، ثُمَّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ.
٤٠٥٠ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ بَيْنَمَا بِالْمِيمِ أَيْ: بَيْنَ أَوْقَاتٍ (نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ، خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " انْطَلِقُوا ") أَيِ: اذْهَبُوا مَعِيَ (إِلَى يَهُودَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ) أَيْ: مِنَ الْمَسْجِدِ، أَوْ مِنَ الْمَدِينَةِ (حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ) : قَالَ الْقَاضِي مِفْعَالٌ مِنَ الدِّرَاسَةِ إِمَّا لِلْمُبَالَغَةِ كَالْمِكْثَارِ وَالْمِعْطَاءِ وَالْمُرَادُ صَاحِبُ دِرَاسَةِ كُتُبِهِمُ الَّذِي يُدَارِسُهَا لِلنَّاسِ وَإِمَّا بِمَعْنَى الْمَدْرَسَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَقْرَأُ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ كُتُبَهُمْ وَيَدْرُسُونَهَا فِيهِ إِضَافَةَ الْبَيْتِ كَإِضَافَةِ الْمَسْجِدِ إِلَى الْجَامِعِ وَيَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ الصِّحَاحِ حَتَّى أَتَى الْمِدْرَاسَ (فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، وَالْمَعْنَى فَثَبَتَ قَائِمًا وَلَمْ يَجْلِسْ (قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا) أَمْرٌ مِنَ الْإِسْلَامِ (تَسْلَمُوا) جَوَابُ الْأَمْرِ مِنَ السَّلَامَةِ أَيْ: تَنْجُوا مِنَ الذُّلِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ فِي الْعُقْبَى قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ تَسْلَمُوا مِنَ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَيْ: تَسْلَمُوا مِنَ الْإِجْلَاءِ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَسْلَمُونَ مِنَ الْآفَاتِ هُوَ الْإِجْلَاءُ، وَمُفَارَقَةُ الْأَوْطَانِ الْمَأْلُوفَةِ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ الْبَلَاءِ وَمِنْ ثَمَّ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: ١٩١] بِالْإِخْرَاجِ مِنَ الْوَطَنِ ; لِأَنَّهُ عُقِّبَ بِقَوْلِهِ {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: ١٩١] وَأَنْشَدَ:
لَقَتْلٌ بِحَدِّ السَّيْفِ أَهْوَنُ مَوْقِعًا ... عَلَى النَّفْسِ مِنْ قَتْلٍ بِحَدِّ فِرَاقِ
وَقَالَ:
يَقُولُونَ إِنَّ الْمَوْتَ صَعْبٌ وَإِنَّمَا ... مُفَارَقَةُ الْأَوْطَانِ وَاللَّهِ أَصْعَبُ
(اعْلَمُوا) اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ بَعْدَ الْيَأْسِ مِمَّا قَبْلَهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ اعْلَمُوا جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ: (أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا) اتَّجَهَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لِمَ إِذًا تُخَاطِبُنَا بِهَذَا وَمَا سَنَحَ لَكَ مِنَ الرَّأْيِ؟ قَالَ: (اعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ) أَيْ: حَقِيقَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف: ١٢٨] وَتَبَعًا وَعَاقِبَةً قَالَ الطِّيبِيُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:) {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف: ١٢٨] (أَيْ: أَرْضُكُمْ هَذِهِ قَدْ تَعَلَّقَتْ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يُورِثَهَا الْمُسْلِمِينَ فَفَارِقُوهَا، وَإِنَّمَا أَسْنَدَ الْجَلَاءَ إِلَى نَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَأَنَّ إِجْلَاءَهُ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: ١] وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ لِلتَّزْيِينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: ٩] . (وَأَنِّي) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَطْفًا عَلَى مَا سَبَقَ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْكَسْرِ أَيْ: وَالْحَالُ أَنِّي (أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ) : مِنَ الْإِجْلَاءِ أَيْ: أُبْعِدُكُمْ وَأُخْرِجُكُمْ " مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ ":
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute