أَيْ: مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَالْخِطَابُ لِمَنْ بَقِيَ فِي الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْيَهُودِ بَعْدَ إِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَتْلِ قُرَيْظَةَ كَيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَإِنَّ إِجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقَتْلَ قُرَيْظَةَ فِي خَامِسِهَا، وَإِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ (فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ) أَيْ: مِنْ مَالِهِ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى (مِنْ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: ٦] (شَيْئًا) أَيْ: مِمَّا لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ نَقْلُهُ كَالْعَقَارِ وَالْأَشْجَارِ، وَقِيلَ الْبَاءُ بِمَعْنَى (فِي) وَقِيلَ الْبَاءُ لِلْبَدَلِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ بِعْتُ هَذَا بِهَذَا، وَالْمَعْنَى مَنْ صَادَفَ عِوَضَ مَالِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهُ (فَلْيَبِعْهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ أَشْبَهَ، وَأَمَا الْمَكْرُوهُ عَلَى الْبَيْعِ فَهُوَ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَى بَيْعِ الشَّيْءِ شَاءَ، أَوْ أَبَى، وَالْيَهُودُ لَوْ لَمْ يَبِيعُوا أَرَاضِيَهُمْ لَمْ يُحْمَلُوا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَشْفَقُوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ فَاخْتَارُوا بَيْعَهَا، فَصَارُوا كَأَنَّهُمُ اضْطُرُّوا إِلَى بَيْعِهَا كَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى بَيْعِ مَالِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، قَالَ النَّوَوِيُّ: أَوْجَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ إِخْرَاجَ الْكَافِرِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ سُكْنَاهَا وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِالْحِجَازِ وَهُوَ عِنْدَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَأَعْمَالِهَا دُونَ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِ وَقَالُوا: لَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنَ التَّرَدُّدِ مُسَافِرِينَ فِي الْحِجَازِ، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِلَّا مَكَّةَ وَحَرَمَهَا فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهَا بِحَالٍ، فَإِنْ دَخَلَهَا بِخُفْيَةٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهُ فَإِنْ مَاتَ وَدُفِنَ فِيهَا نُبِشَ، وَأُخْرِجَ مِنْهَا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دُخُولَهُمُ الْحَرَمَ، وَحُجَّةُ الْجَمَاهِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨] اهـ. وَفِي الْمَعَالِمِ: أَرَادَ مَنْعَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ ; لِأَنَّهُمْ إِنْ دَخَلُوا الْحَرَمَ فَقَدْ قَرُبُوا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ وَجَوَّزَ أَهْلُ الْكُوفَةِ لِلْمُعَاهَدِ دُخُولَ الْحَرَمِ، وَفِي الْمَدَارِكِ: فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَلَا يَحُجُّوا وَلَا يَعْتَمِرُوا كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَهُوَ عَامُ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ حَيْثُ أُمِّرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمَوْسِمِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُمْنَعُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَاصَّةً، وَعِنْدَ مَالِكٍ يُمْنَعُونَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute