للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[١٩] كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٤٠٦٤ - «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَ. وَإِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[١٩] كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ

الصَّيْدُ: مَصْدَرٌ. بِمَعْنَى الِاصْطِيَادِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الصَّيْدِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا لِمُقَابَلَةِ الذَّبَائِحِ، فَإِنَّهَا جَمْعُ الذَّبِيحَةِ. بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ، ثُمَّ الِاصْطِيَادُ يَحِلُّ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ، وَالصَّيْدُ يَحِلُّ إِنْ كَانَ مَأْكُولًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ، فَإِنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ. بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ فَكَانَ مُبَاحًا كَالِاحْتِطَابِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: ٤] بِالْعَطْفِ عَلَى الطَّيِّبَاتِ أَيْ: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ، أَوْ مَا شُرْطِيَّةٌ وَجَوَابُهُ: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، وَالْجَوَارِحُ: الْكَوَاسِبُ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْعُقَّابِ وَالصَّقْرِ وَالْبَازِي، وَالْكِلْبُ بِكَسْرِ الْكَافِ مُؤَدِّبُ الْجَوَارِحِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْكَلْبِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الْكِلَابِ، أَوْ لِأَنَّ السَّبُعَ يُسَمَّى كَلْبًا، ثُمَّ يُعْلَمُ الْمُعَلَّمُ بِتَرْكِ أَكْلِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَرُجُوعِ الْبَازِي بِدُعَائِهِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٤٠٦٤ - (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَيِ: الطَّائِيِّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَنَزَلَ الْكُوفَةَ، وَسَكَنَ بِهَا، وَفُقِئَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ الْجَمَلِ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَشَهِدَ صِفِّينَ وَالنَّهْرَوَانَ، وَمَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ مَاتَ بِقَرْقِلِيسَا، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ. (قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَرْسَلْتَ) أَيْ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُرْسِلَ (كَلْبَكَ) أَيِ: الْمُعَلَّمُ (فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ) أَيْ: حَالَةَ إِرْسَالِهِ إِذِ الْإِرْسَالُ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ وَإِمْرَارِ السِّكِّينِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّسْمِيَةِ عِنْدَهُ، أَمَّا لَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا فَيَحِلُّ، وَلَوْ تَرَكَهَا عَامِدًا عِنْدَ الْإِرْسَالِ، ثُمَّ زَجَرَ الْكَلْبَ فَانْزَجَرَ وَسَمَّى بَعْدَ الزَّجْرِ وَأَخَذَ الصَّيْدَ وَقَتَلَ لَا يَحِلُّ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ: (فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ يَكُونُ رَاجِعًا إِلَى الْإِرْسَالِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْمَصْدَرِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ حَالَ إِرْسَالِهِ؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ رَجْعُ الضَّمِيرِ إِلَى الْكَلْبِ، فَإِنَّهُ الْمُتَبَادَرُ الْأَقْرَبُ، (فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ) : فِي الْأَسَاسِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَالَهُ حَبَسَهُ أَيْ: إِنْ حَبَسَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ لَكَ (فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ) : فَلَوْ تَرَكَ الذَّكَاةَ عَمْدًا حَرُمَ ; لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ (وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ) أَيِ: الصَّيْدَ (قَدْ قَتَلَ) : بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ: قَتَلَهُ الْكَلْبُ، وَفِي نُسْخَةٍ قُتِلَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ (وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ) : أَمْرُ إِبَاحَةٍ (وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ) : نَهْيُ تَحْرِيمٍ (فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيِ: أَمْسَكَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ لِنَفْسِهِ لَا لَكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ الْكَلْبُ بَعْدَ تَرْكِهِ ثَلَاثًا تَبَيَّنَ جَهْلُهُ، (فَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ غَيْرَهُ) أَيْ: كَلْبًا لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ، أَوْ أَرْسَلَهُ مَنْ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ كَالْمَجُوسِيِّ (وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ) : وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ، وَأَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِرْسَالَ شَرْطٌ حَتَّى إِنَّ الْكَلْبَ إِذَا انْفَلَتَ مِنْ صَاحَبِهِ وَأَخَذَ صَيْدًا وَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ. (فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ: قَتَلَ بِلَا ضَمِيرٍ، ثُمَّ أَيُّهُمَا مُبْتَدَأٌ وَقَتَلَهُ خَبَرٌ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِتَدْرِي، وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ عَنِ الْعَمَلِ لَفْظًا ; لِأَنَّهَا مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: ١١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>