قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَفِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ. فَقَالَ: لَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ» . وَلِذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُشَارِكَ الْمُعَلَّمَ مَا لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَهُوَ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ، أَوْ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ، أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُرْسَلْ لِلصَّيْدِ، أَوْ كَلْبٌ أُرْسِلَ لَهُ، وَتُرِكَ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا، وَاجْتَمَعَ الْحُرْمَةُ وَالْإِبَاحَةُ فَغُلِّبَتِ الْحُرْمَةُ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عُلَمَاؤُنَا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي الذَّابِحِ أَنْ لَا يَكُونَ تَارِكَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، وَمُسْلِمًا كَانَ، أَوْ كِتَابِيًّا، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ عَلَّلَ الْحُرْمَةَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، وَأَمَّا نَسْيُ التَّسْمِيَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَرْفُوعُ الْحُكْمِ عَنِ الْأُمَّةِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ثَوْبَانَ؛ وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ حَرَجًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرُ النِّسْيَانِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ فِي الشَّرْعِ. (وَإِذَا رَمَيْتَ) أَيْ: أَرَدْتَ أَنْ تَرْمِيَ (بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا) أَيِ: الصَّيْدُ (فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ إِنْ شِئْتَ) : وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْمَشِيئَةِ هُنَا وَأَطْلَقَهُ هُنَاكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِيهِمَا لِلْإِبَاحَةِ إِيمَاءً إِلَى الشُّبْهَةِ هُنَا، فَإِنَّ فِي غَيْبَتِهِ مُدَّةً مَدِيدَةً احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ مَعْلُومٍ لَنَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: شَرْطُ الْحِلِّ بِالرَّمْيِ التَّسْمِيَةُ وَالْجَرْحُ، وَأَنْ لَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ إِنْ غَابَ الصَّيْدُ حَالَ كَوْنِهِ مُتَحَامِلًا سَهْمَهُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّيْدِ يَتَوَارَى عَنْ صَاحِبِهِ قَالَ: لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَحْوَهُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا. (وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ) أَيْ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ بِسَبَبِ الْمَاءِ لَا بِسَبَبِ رَمْيِكَ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا الْحَدِيثُ يَتَضَمَّنُ فَوَائِدَ مِنْ أَحْكَامِ الصَّيْدِ: مِنْهَا: أَنَّ مَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ يَكُونُ حَلَالًا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ مِنَ الْفَهْدِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا، وَالشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ الْجَارِحَةُ مُعَلَّمَةً، وَلَا يَحِلُّ قَتِيلُ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ، وَالتَّعْلِيمُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ ثَلَاثُ شَرَائِطَ: إِذَا أُشْلِيَ اسْتَشْلَى، وَإِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ، وَإِذَا أَخَذَ الصَّيْدَ أَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ كَانَ مُعَلَّمًا يَحِلُّ بَعْدَ ذَلِكَ قَتْلُهُ، وَقَوْلُهُ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِرْسَالَ مِنْ جِهَةِ الصَّائِدِ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ فَأَخَذَ صَيْدًا، وَقَتَلَهُ لَا يَكُونُ حَلَالًا، وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ شَرْطٌ فِي الذَّبِيحَةِ حَالَةَ مَا تُذْبَحُ، وَفَى الصَّيْدِ حَالَةَ مَا يُرْسِلُ الْجَارِحَةَ، أَوِ السَّهْمَ، فَلَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ حَلَالٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالُوا: الْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ ذِكْرُ الْقَلْبِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إِرْسَالُهُ الْكَلْبَ عَلَى قَصْدِ الِاصْطِيَادِ بِهِ لَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ سَوَاءٌ تُرِكَ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا لَا يَحِلُّ، وَإِنْ تَرَكَ نَاسِيًا يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute