الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْرَحْهُ صَارَ مَوْقُوذَةً. وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِالنَّصِّ. (قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟) أَيِ: الصَّيْدُ، وَإِنْ وَصْلِيَّةٌ (قَالَ: وَإِنْ قَتَلْنَ قُلْتُ: إِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ هُوَ السَّهْمُ الثَّقِيلُ الَّذِي لَا رِيشَ لَهُ وَلَا نَصْلَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَهُوَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: سَهْمٌ لَا رِيشَ عَلَيْهِ يُمْضَى عَرْضًا فَيُصِيبُ بِعَرْضِ الْعُودِ لَا بِحَدِّهِ، وَفِي الْقَامُوسِ: كَمِحْرَابٍ سَهْمٌ بِلَا رِيشٍ رَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ يُصِيبُ بِعَرْضِهِ دُونَ حَدِّهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بِكَسْرِ الْمِيمِ خَشَبَةٌ ثَقِيلَةٌ، أَوْ عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ، وَقَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: هُوَ سَهْمٌ لَا رِيشَ فِيهِ وَلَا نَصْلَ، وَقِيلَ سَهْمٌ طَوِيلٌ لَهُ أَرْبَعُ قِدَدٍ رِقَاقٍ، فَإِذَا رُمِيَ بِهِ اعْتَرَضَ، وَقِيلَ هُوَ رَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ إِذَا رَمَى بِهِ ذَهَبَ مُسْتَوِيًا اهـ. وَيَصِحُّ إِرَادَةُ الْكُلِّ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ (قَالَ: كُلْ مَا خَزَقَ) : بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا قَافٌ أَيْ: نَفَذَ، ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ. وَفِي النِّهَايَةِ: خَزَقَ السَّهْمُ أَصَابَ الرَّمِيَّةَ وَنَفَذَ فِيهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ: خَزَقَ بِالْخَاءِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَتَيْنِ مَعْنَاهُ نَفَذَ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا: الْخَزْقُ الطَّعْنُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقَامُوسِ خَزَقَهُ، طَعَنَهُ، وَالْخَازِقُ السِّنَانُ، وَمِنَ السِّهَامِ الْمُقَرْطَسُ، وَفِيهِ رَمَى فَقَرْطَسَ أَيْ: أَصَابَ الْقِرْطَاسَ، فَالْمَعْنَى كُلْ مَا جَرَحَ وَقَتَلَ وَهُوَ مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ لِقَوْلِهِ: (وَمَا أَصَابَ) أَيِ: الْمِعْرَاضُ وَغَيْرُهُ (بِعَرْضِهِ) أَيْ: بِحَيْثُ مَا جَرَحَهُ (فَقَتَلَ) : بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ: فَقَتَلَهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ يَعْنِي بِثِقْلِهِ (فَإِنَّهُ وَقِيذٌ) : بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ: مَوْقُوذٌ مَضْرُوبٌ ضَرْبًا شَدِيدًا بِعَصًا، أَوْ حَجَرٍ حَتَّى مَاتَ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: الْوَقِيذُ مَا قُتِلَ بِعَصًا، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ مَا لَا حَدَّ لَهُ. (فَلَا تَأْكُلْ) : جَوَابُ الشَّرْطِ، أَوْ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ وَقِيذٌ عِلَّةٌ لِلنَّهْيِ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ هِيَ الْجَزَاءَ، وَالنَّهْيُ فَرْعٌ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة: ٣] قَالَ النَّوَوِيُّ: الْوَقِيذُ وَالْمَوْقُوذُ هُوَ الَّذِي يُقْتَلُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ مِنْ عَصًا، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا اصْطَادَ بِالْمِعْرَاضِ فَقَتَلَ الصَّيْدَ بِحَدِّهِ حَلَّ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِعَرْضِهِ لَمْ يَحِلَّ. وَقَالُوا: لَا يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ بِالْبُنْدُقَةِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ الْمِعْرَاضِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ: يَحِلُّ مَا قُتِلَ بِالْمِعْرَاضِ وَالْبُنْدُقَةِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
وَفَى الشُّمُنِّيِّ: رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَرَمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأَصِيدُ. قَالَ: إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ» قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْجُرْحِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ وَعَرْضُ الْمِعْرَاضِ لَا يَجْرَحُ، وَلِذَا لَوْ قَتَلَهُ بِبُنْدُقَةٍ ثَقِيلَةٍ ذَاتِ حِدَّةِ حَرُمَ الصَّيْدُ ; لَأَنَّ الْبُنْدُقَةَ تَكْسِرُ وَلَا تَجْرَحُ، فَكَانَتْ كَالْمِعْرَاضِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ خَفِيفَةً ذَاتَ حِدَّةٍ لَمْ يَحْرُمْ لِتَيَقُّنِ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ، فَلَوْ رَمَى صَيْدًا بِسِكِّينٍ، أَوْ بِسَيْفٍ إِنْ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ أَكَلَ، وَإِلَّا لَا. وَلَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ إِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ جَرَحَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَ بِثِقْلِهِ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا، وَبِهِ حِدَّةٌ وَجَرَحَ، يُؤْكَلُ لِتَيَقُّنِ الْمَوْتِ بِالْجَرْحِ، وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ الْمَوْتَ إِنْ حَصَلَ بِالْجُرْحِ بِيَقِينٍ يُؤْكَلُ، وَإِنْ حَصَلَ بِالثِّقَلِ أَوْ شُكَّ فِيهِ لَا يُؤْكَلُ حَتْمًا، أَوِ احْتِيَاطًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute