ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسٌ حُذِفَ مِنْهُ الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ لِتَقَرُّرِهَا وَظُهُورِهَا عِنْدَهُمْ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ عَظْمٍ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ بِهِ، وَذَكَرَهُ دَلِيلًا " عَلَى اسْتِثْنَاءِ السِّنِّ. أَقُولُ: وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً وَمُقَرَّرَةً عِنْدَهُمْ بَلْ نَأْخُذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَظْمٌ أَنَّ كُلَّ عَظْمٍ يَكُونُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَمْ أَرَ بَعْدَ الْبَحْثِ مَنْ نَقَلَ لِلْمَنْعِ مِنَ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ مَعْنًى يُعْقَلُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَعَلَّلَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْعَظْمَ يَنْجُسُ بِالدَّمِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ تَنْجِيسِهِ ; لِأَنَّهُ زَادُ الْجِنِّ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا: فَهِمْنَا أَنَّ الْعِظَامَ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ بِهَا لِتَعْلِيلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ عَظْمًا، وَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَظْمِ لَا تَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ الْمُتَّصِلَيْنِ، وَيَجُوزُ بِالْمُنْفَصِلَيْنِ. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَاتٌ أَشْهَرُهَا جَوَازُهُ بِالْعَظْمِ دُونَ السِّنِّ كَيْفَ كَانَ اهـ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
(وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشِ) : بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَفِي أَصْلِ السَّيِّدِ وَعَلَيْهِ صَحَّ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهِمَا وَهُوَ الصَّوَابُ، فَفِي الْقَامُوسِ: الْحُبَشُ وَالْحَبَشُ مُحَرَّكَتَيْنِ وَالْأَحْبُشُ بِضَمِّ الْبَاءِ جِنْسٌ مِنَ السُّودَانِ جَمْعُهُ حُبْشَانُ، أَوْ أَحَابِشُ، وَكَذَا فِي الصِّحَاحِ وَشَمْسِ الْعُلُومِ وَالْمِصْبَاحِ، بَلْ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، الْحَبَشَةُ بِالتَّاءِ وَالْحُبْشُ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ إِنَّمَا هُوَ بَطْنٌ، أَوْ جَدٌّ كَمَا فِي كُتُبِ الْأَنْسَابِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَظْفَارَ سَكَاكِينُهُمْ فَإِنَّهُمْ يَذْبَحُونَ بِهَا مَا يُمْكِنُ ذَبْحُهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنِ التَّشْبِيهِ بِهِمْ وَبِشِعَارِهِمْ. قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ: وَإِنَّمَا اسْتَثْنَاهُمَا وَمَنَعَ الذَّبْحَ بِهِمَا ; لِأَنَّهُمَا تَوْقِيذٌ وَتَخْنِيقٌ وَلَيْسَ بِذَبْحٍ، فَفِي الذَّبْحِ الِانْقِطَاعُ بِقُوَّتِهِ لَا بِحِدَّةِ الْآلَةِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَنْزُوعِ، أَمَّا فِي الْمَنْزُوعِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحْرُمُ أَكْلُهُ. قَالَ الشُّمُنِّيُّ: لَهُ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ حَيْثُ لَمْ يَفْصِلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ، فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الذَّبْحِ بِهِمَا مُطْلَقًا، وَلَنَا مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا «عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ تُرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا فَقَالَ لِأَهْلِهِ: لَا تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ، أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بَعَثَ إِلَيْهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِهِ» ، وَإِذَا صَلُحَ الْحَجَرُ آلَةً لِلذَّبْحِ بِمَعْنَى الْجُرْحِ، فَكَذَا الظُّفُرُ الْمَنْزُوعُ وَالسِّنُّ الْمَنْزُوعُ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَوْتَ بِالثِّقَلِ مَعَ الْحِدَّةِ فَتَصِيرُ الذَّبِيحَةُ فِي مَعْنَى الْمُنْخَنِقَةِ. نَعَمْ يُكْرَهُ الذَّبْحُ بِالْمَنْزُوعِ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ بِالْحَيَوَانِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ بِشَفْرَةٍ كَلَيْلَةٍ. وَحَدِيثُ رَافِعٍ يُحْمَلُ عَلَى الْقَائِمَتَيْنِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ؛ وَلِأَنَّ الْحَبَشَةَ يُحَدِّدُونَ أَسْنَانَهُمْ وَلَا يُقَلِّمُونَ أَظْفَارَهُمْ، وَيُقَاتِلُونَ بِالْخَدْشِ وَالْعَضِّ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: إِنْ كَانَ الذَّبْحُ بِالظُّفُرِ مُحَرَّمًا لِكَوْنِهِ تَشْبِيهًا بِالْكَفَّارِ لَكَانَ يَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ بِالسِّكِّينِ أَيْضًا. قُلْتُ: إِنْهَارُ الدَّمِ بِالسِّكِّينِ هُوَ الْأَصْلُ، وَأَمَّا الْمُلْحَقَاتُ الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا التَّشَبُّهُ لِضَعْفِهَا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّشَبُّهَ الْمَمْنُوعَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَكُونُ شَعَارًا لَهُمْ مُخْتَصًّا بِهِمْ، فَالسُّؤَالُ سَاقِطٌ مِنْ أَصِلِهِ. (وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ) أَيْ: غَارَتَهُمَا، وَالْمَعْنَى أَغَرْنَا عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْكُفَّارِ فَوَجَدْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا (فَنَدَّ) أَيْ: شَرَدَ وَفَرَّ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ جُمْلَتِهَا الصَّادِقَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا (بِعِيرٌ) : وَاسْتَعْصَى (فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ) أَيْ: مَنَعَهُ مِنَ التَّوَحُّشِ وَأَمَاتَهُ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَبَسَهُ مِنَ الشِّرَادِ بِأَنْ أَثَّرَ فِيهِ السَّهْمُ فَمَاتَ بِهِ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى جِنْسِ الْإِبِلِ وَاللَّامُ فِيهِ بِمَعْنَى (مِنْ) . قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَمَلَ اللَّامُ عَلَى مَعْنَاهُ، وَالْبَعْضِيَّةُ تُسْتَفَادُ مِنَ اسْمِ إِنَّ ; لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: ١] أَيْ: بَعْضَ اللَّيْلِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا غَفْلَةٌ مِنْهُ عَنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ اللَّامِ عَلَى بَابِهَا، وَالْأَوَابِدُ: جَمْعُ آبِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَوَحَّشَتْ وَنَفَرَتْ (كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ) أَيْ: حَيَوَانُ الْبَرِّ (فَإِذَا غَلَبَكُمْ فِيهَا) أَيْ: مِنْ أَوَابِدِ الْإِبِلِ (شَيْءٌ) أَيْ: وَاحِدٌ (فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا) أَيْ: فَارْمُوهُ بِسَهْمٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمَعْنَى مَا نَفَرَ مِنَ الْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَكَالصَّيْدِ الْوَحْشِيِّ فِي حُكْمِ الذَّبْحِ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ اضْطِرَارِيَّةٌ، فَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ مَحَلُّ الذَّبْحِ، وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ الْإِبِلِ لِأَنَّ التَّوَحُّشَ فِيهِ أَكْثَرُ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ الْإِنْسِيَّ إِذَا تَوَحَّشَ وَنَفَرَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى قَطْعِ مَذْبَحِهِ يَصِيرُ جَمِيعُ بَدَنِهِ فِي حُكْمِ الْمَذْبَحِ كَالصَّيْدِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ مَنْكُوسًا، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى قَطْعِ حُلْقُومِهِ فَطُعِنَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ فَمَاتَ كَانَ حَلَالًا؛ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي الْعُشَرَاءِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الثَّانِي مِنْ أَحَادِيثِ حِسَانِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لَأَجْزَأَ عَنْكَ، وَأَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَعَلَى عَكْسِهِ لَوِ اسْتَأْنَسَ الصَّيْدَ وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِقَطْعِ مَذْبَحِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute