للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَشْرَفُ شَرَابِهِ رَجِيعُ نَحْلَةٍ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا سِتَّةُ أَشْيَاءَ: مَطْعُومٌ وَمَشْرُوبٌ وَمَلْبُوسٌ وَمَرْكُوبٌ وَمَنْكُوحٌ وَمَشْمُومٌ، وَأَشْرَفُ الْمَطْعُومَاتِ الْعَسَلُ وَهُوَ مَذْقَةُ ذُبَابٍ، وَأَشْرَفُ الْمَشْرُوبَاتِ الْمَاءُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَاشَرَفُ الْمَلْبُوسَاتِ الْحَرِيرُ وَهُوَ نَسْجُ دُودَةٍ، وَأَشْرَفُ الْمَرْكُوبَاتِ الْفَرَسُ وَعَلَيْهَا يُقْتَلُ الرِّجَالُ وَأَشْرَفُ الْمَشْمُومَاتِ الْمِسْكُ وَهُوَ دَمُ حَيَوَانٍ، وَأَشْرَفُ الْمَنْكُوحَاتِ الْمَرْأَةُ وَهُوَ مُبَالٌ فِي مُبَالٍ قُلْتُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَشْرَفَ الْمَشْرُوبَاتِ اللَّبَنُ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ، وَأَشْرَفُ الْمَرْكُوبَاتِ الْفَرَسُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ صَدِيقِهِ وَعَدُوِّهُ حَيْثُ قِيلَ: لَا وَفَاءَ فِي السَّيْفِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ، وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ كَرِهَ مُجَاهِدٌ قَتْلَ النَّحْلِ وَيَحْرُمُ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ الْعَسَلُ حِلًّا لِأَنَّ الْآدَمِيَّةَ لِبَنُهَا حَلَالٌ وَلَحْمُهَا حَرَامٌ، وَأَبَاحَ بَعْضُ السَّلَفِ أَكْلَهُ كَالْجَرَادِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْحُرْمَةِ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا وَفِي الْإِبَانَةِ يُكَرَهُ بَيْعُ النَّحْلِ وَهُوَ فِي الْكَوَارِهِ، صَحِيحٌ إِنْ رُؤِيَ جَمِيعُهُ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّحْلِ وَالزَّنْبُورِ وَسَائِرِ الْحَشَرَاتِ، وَأَمَّا النَّمْلُ فَمَا أَحْسَنَ مَنْ قَالَهُ فِيهِ:

اقْنَعْ فَمَا تَبْقَى بِلَا بُلْغَةٍ ... فَلَيْسَ يَنْسَى رَبُّنَا نَمْلَهُ

إِنْ أَقْبَلَ الدَّهْرُ فَقُمْ قَائِمًا ... وَإِنْ تَوَلَّى مُدْبِرًا نَمْ لَهْ

وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ يُخَبِّئُ قُوتَهُ إِلَّا الْإِنْسَانَ وَالنَّمْلَ وَالْفَأْرَ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْإِحْيَاءِ فِي كِتَابِ التَّوَكُّلِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ: وَكَانَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ يَفُتُّ الْخُبْزَ لِلنَّمْلِ وَيَقُولُ: إِنَّهُنَّ جَارَاتٌ وَلَهُنَّ عَلَيْنَا حَقُّ الْجِوَارِ قُلْتُ: هُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُنَّ مُؤْذِيَاتٌ وَمَا يُخَلِّينَ لَنَا حَلَاوَةً فِي الدَّارِ، وَعَنِ الْفَتْحِ بْنِ سَجْزٍ الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَفُتُ الْخُبْزَ لَهُنَّ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يَأْكُلْهُ وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ يُكْرَهُ أَكْلُ مَا حَمَلَتِ النَّمْلُ بِفِيهَا وَقَوَائِمِهَا، لِمَا رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ النَّبَوِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حُوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَيَ عَنْ قَتْلِهِ، وَقَالَ الْخَلَّالُ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَنْ يُؤْكَلَ مَا حَمَلَتْهُ النَّمْلُ بِفِيهَا وَقَوَائِمِهَا وَيُحَرِّمُ أَكْلَ النَّمْلِ الْوَرُودِ النَّهْرُ بْنُ الْكَوَّارِ، حَدَّثَتْنِي حَبِيبَةُ مَوْلَاةُ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ وَرَآهَا تَقْتُلُ نَمْلَةً فَقَالَ: لَا تَقْتُلِيهَا، ثُمَّ دَعَا بِكُرْسِيٍّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أُحَرِّجُ عَلَيْكُنَّ إِلَّا خَرَجْتُنَّ مِنْ دَارِي، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلْنَ فِي دَارِي قَالَ: فَخَرَجْنَ فَمَا رُؤِيَ مِنْهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاحِدَةٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: وَرَأَيْتُ أَبِي فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَثُرَ عِلْمِي أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ لِوُضُوءِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ رَأَيْتُ النَّمْلَ خَرَجْنَ بَعْدَ ذَلِكَ. قِيلَ: وَقَدْ أُهْلِكَ بِالنَّمْلِ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ وَهِيَ جُرْهُمٌ. وَفِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ قَبْلَ هَزِيمَةِ الْقَوْمِ وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ مِثْلَ الْبُخَارِ الْأَسْوَدِ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى سَقَطَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ نَمْلٌ أَسْوَدُ مَبْثُوثٌ قَدْ مَلَأَ الْوَادِيَ لَمْ أَشُكُّ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا هَزِيمَةَ الْقَوْمِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا تَقْتُلُوا النَّمْلَةَ فَإِنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ يَسْتَسْقِي وَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ مُسْتَلْقِيَةٍ عَلَى قَفَاهَا رَافِعَةً قَوَائِمِهَا تَقُولُ " اللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، وَلَا غِنَى لَنَا عَنْ فَضْلِكَ، اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنَا بِذُنُوبِ عِبَادِكَ الْخَاطِئِينَ، وَاسْقِنَا مَطَرًا تُنْبِتُ لَنَا بِهِ شَجَرًا وَأَطْعِمْنَا ثَمَرًا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ: ارْجِعُوا فَقَدْ كُفِينَا وَسُقِينَا بِغَيْرِكُمْ» " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، عَنْ) أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجِهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا وَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِ: فَهَلَّا نَمْلَةٌ وَاحِدَةٌ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ: لَمْ يُعَاتِبْهُ عَلَى تَحْرِيقِهَا إِنَّمَا عَاتَبَهُ لِكَوْنِهِ أَخَذَ الْبَرِيءَ بِغَيْرِ الْبَرِيءِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا النَّبِيُّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ تُعَذِّبُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ. بِمَعَاصِيهِمْ وَفِيهِمُ الطَّائِعُ، فَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُرِيَهُ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ فَسَلَّطَ عَلَيْهِ الْحَرَّ حَتَّى الْتَجَأَ إِلَى شَجَرَةٍ مُتَرَوِّحًا إِلَى ظِلِّهَا، وَعِنْدَهَا قَرْيَةُ النَّمْلِ فَغَلَبَهُ النَّوْمُ، فَلَمَّا وَجَدَ لَذَّةَ النَّوْمِ لَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَدَلَكَهُنَّ بِقَدَمِهِ فَأَهْلَكَهُنَّ وَأَحْرَقَ مَسْكَنَهُنَّ فَأَرَاهُ الْآيَةَ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ عَيَّرَهُ لَمَّا لَدَغَتْهُ كَيْفَ أَصَابَ الْبَاقِينَ بِعُقُوبَتِهَا، يُرِيدُ أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَصِيرُ رَحْمَةً عَلَى الْمُطِيعِ، وَنِقْمَةً عَلَى الْعَاصِي، وَعَلَى هَذَا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَلَا خَطَرَ فِي قَتْلِ النَّمْلِ، فَإِنَّ مَنْ أَذَاكَ حَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>