الْفَصْلُ الثَّانِي.
٤٢٠١ - وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُرِّبَ طَعَامٌ، فَلَمْ أَرَ طَعَامًا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ أَوَّلَ مَا أَكَلْنَا، وَلَا أَقَلَّ بَرَكَةً فِي آخِرِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ هَذَا؟ قَالَ: " إِنَّا ذَكَرْنَا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ حِينَ أَكَلْنَا، ثُمَّ قَعَدَ مَنْ أَكَلَ وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهَ فَأَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ» ". رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ ".
ــ
٤٢٠١ - (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُرِّبَ طَعَامٌ) : أَيْ: إِلَيْهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (فَلَمْ أَرَ طَعَامًا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ أَوَّلَ مَا أَكَلْنَا) : أَيْ أَوَّلَ وَقْتِ أَكْلِنَا، فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَأَوَّلَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَلَا أَقَلَّ بَرَكَةً) : أَيْ مِنْهُ (فِي آخِرِهِ) : أَيْ فِي آخِرِ وَقْتٍ أَكَلْنَا إِيَّاهُ (قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ هَذَا؟) : أَيْ بَيِّنْ لَنَا الْحِكْمَةَ وَالسَّبَبَ فِي حُصُولِ عَظَمَةِ الْبَرَكَةِ وَكَثْرَتِهَا فِي أَوَّلِ أَكْلِنَا هَذَا الطَّعَامَ، وَقِلَّتِهَا فِي آخِرِهِ وَانْعِدَامِ الْبَرَكَةِ مِنْهُ. (قَالَ: " إِنَّا ") : أَيْ جَمِيعُنَا عَلَى مُقْتَضَى السُّنَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعَلَى مُوجِبِ دَأْبِهِ الْمُسْتَمِرِّ مَعَ أَصْحَابِهِ (ذَكَرْنَا اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَكَلْنَا) : وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ سُنَّةَ التَّسْمِيَةِ تَحْصُلُ بِسْمِ اللَّهِ، وَأَمَّا زِيَادَةُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهِيَ أَكْمَلُ، كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَإِذَا اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ لِأَفْضَلِيَّةِ ذَلِكَ دَلِيلًا خَاصًّا، وَتُنْدَبُ الْبَسْمَلَةُ حَتَّى لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ إِنْ لَمْ يَقْصِدُوا بِهَا قُرْآنًا: وَإِلَّا حَرُمَتْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ: لَا تُنْدَبُ فِي مَكْرُوهٍ وَلَا حَرَامٍ، بَلْ لَوْ سَمَّى عَلَى خَمْرٍ كَفَرَ عَلَى مَا فِيهِ مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ.
( «ثُمَّ قَعَدَ مَنْ أَكَلَ وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهَ، فَأَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ» ) : أَيْ فَانْعَدَمَ بَرَكَتُهُ بِسُرْعَةٍ وَلَمْ يَمْتَنِعْ شَيْطَانُهُ بِمُجَرَّدِ تَسْمِيَتِنَا، وَأَكْلُ الشَّيْطَانِ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا لِإِمْكَانِهِ عَقْلًا وَإِثْبَاتِهِ شَرْعًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: قَدْ سَبَقَ عَنِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا رَوَاهُ النَّوَوِيُّ أَنَّ وَاحِدًا لَوْ سَمَّى فِي جَمَاعَةٍ يَأْكُلُونَ لَكَفَى ذَلِكَ، وَسَقَطَ عَنِ الْكُلِّ، فَتَنْزِيلُهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثُمَّ قَعَدَ) أَيْ: بَعْدَ فَرَاغِنَا مِنَ الطَّعَامِ وَلَمْ يُسَمِّ، أَوْ يُقَالُ: إِنَّ شَيْطَانَ هَذَا الرَّجُلِ جَاءَ مَعَهُ، فَلَمْ تَكُنْ تَسْمِيَتُنَا مُؤَثِّرَةً فِيهِ وَلَا هُوَ سَمَّى، يَعْنِي لِتَكُونَ تَسْمِيَتُهُ مَانِعَةً مِنْ أَكْلِ شَيْطَانِهِ مَعَهُ، وَتَعَقَّبَهُ مِيرَكُ شَاهْ بِقَوْلِهِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّوْجِيهَ الْأَوَّلَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ ; إِنَّ كَلِمَةَ " ثُمَّ " لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى تَرَاخِي قُعُودِ الرَّجُلِ عَنْ أَوَّلِ اشْتِغَالِهِمْ بِالْأَكْلِ، وَأَمَّا عَلَى تَرَاخِيهِ عَنْ فَرَاغِهِمْ مِنَ الْأَكْلِ كَمَا ادَّعَاهُ فَلَا، وَأَمَّا التَّوْجِيهُ الثَّانِي فَحَسَنٌ، لَكِنْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رَفْعِ التَّنَاقُضِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا اشْتَغَلَ جَمَاعَةٌ بِالْأَكْلِ مَعًا وَسَمَّى وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ تَسْمِيَةُ هَذَا الْوَاحِدِ تُجْزِئُ عَنِ الْبَوَاقِي مِنَ الْحَاضِرِينَ لَا عَنْ شَخْصٍ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا مَعَهُمْ وَقْتَ التَّسْمِيَةِ، إِذِ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّسْمِيَةِ عَدَمُ تَمَكُّنِ الشَّيْطَانِ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ مَعَ الْأَكْلِ مِنَ الْإِنْسَانِ، فَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ إِنْسَانٌ فِي وَقْتِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ لَمْ تُؤَثِّرْ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ فِي عَدَمِ تَمَكُّنِ شَيْطَانِ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ مِنَ الْأَكْلِ مَعَهُ، تَأَمَّلْ. (رَوَاهُ) : أَيْ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) : وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute