للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(قُومُوا، فَقَامُوا مَعَهُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ وَهُوَ جَائِزٌ، فَمَنْ قَالَ بِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ فَظَاهِرٌ، وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ فَمَجَازٌ يَعْنِي بِأَنْ أَعْطَى الْأَكْثَرَ حُكْمَ الْكُلِّ. (فَأَتَى) : أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُمَا (رَجُلًا) : أَيْ بَيْتَ رَجُلٍ (مِنَ الْأَنْصَارِ) : قِيلَ: هُوَ خُزَاعِيٌّ وَإِنَّمَا هُوَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ. قَالَ الْأَشْرَفُ: إِفْرَادُ الضَّمِيرِ أَيْ: فِي " أَتَى " وَإِسْنَادُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قَوْلِهِ: " قُومُوا، فَقَامُوا " إِيذَانٌ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُطَاعُ، وَأَنَّهُمَا كَانَا مُطِيعَيْنِ لَهُ مُنْقَادَيْنِ كَمَنْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ انْتَهَى. وَفِي الشَّمَائِلِ: " فَانْطَلَقُوا إِلَى مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ النَّخْلِ وَالشَّاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَدَمٌ فَلَمْ يَجِدُوهُ "، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَإِذَا هُوَ) : أَيِ الرَّجُلُ (لَيْسَ فِي بَيْتِهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ أَتَى بَيْتَ رَجُلٍ أَوْ قَصَدَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ بَيْتَهُ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ أَيْ: فَاجَأَهُ وَقْتَ خُلُوِّهِ مِنْ بَيْتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الروم: ٤٨] : أَيْ: فَاجَئُوا وَقْتَ الِاسْتِبْشَارِ. (فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ) : أَيْ أَبْصَرَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَتْ؟ مَرْحَبًا: أَيْ أَتَيْتَ مَكَانًا وَاسِعًا (وَأَهْلًا) : أَيْ وَجِئْتَ أَهْلًا (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ فُلَانُ؟) : وَلَفْظُ الشَّمَائِلِ: " أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ " (قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ) : أَيْ يَطْلُبُ الْعَذْبَ وَهُوَ الْحُلْوُ (لَنَا مِنَ الْمَاءِ) : فَإِنَّ أَكْثَرَ مِيَاهِ الْمَدِينَةِ كَانَ مَالِحًا (إِذْ جَاءَ) : أَيْ: هُمْ فِي ذَلِكَ إِذْ جَاءَ (الْأَنْصَارِيُّ) : وَفِي الشَّمَائِلِ: " «فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِقِرْبَةٍ يَزْعَبُهَا فَوَضَعَهَا، ثُمَّ جَاءَ يَلْتَزِمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَفْدِيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» ". قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الرَّجُلُ هُوَ أَبُو الْهَيْثَمِ مَالِكُ بْنُ التَّيِّهَانِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَتَشْدِيدِهَا، وَفِيهِ جَوَازُ الْإِدْلَالِ عَلَى الصَّاحِبِ الَّذِي يُوثَقُ بِهِ، وَاسْتِتْبَاعُ جَمَاعَةٍ إِلَى بَيْتِهِ، وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لَهُ وَكَفَى لَهُ شَرَفًا بِذَلِكَ، قُلْتُ: وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا.

رَوَى عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِكْرَامِ الضَّيْفِ بِقَوْلِهِ مَرْحَبًا وَأَهْلًا أَيْ: صَادَفْتَ رَحْبًا وَسِعَةً وَأَهْلًا تَسْتَأْنِسُ بِهِمْ، وَفِيهِ جَوَازُ سَمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَمُرَاجَعَتِهَا الْكَلَامَ لِلْحَاجَةِ، وَجَوَازُ إِذْنِ الْمَرْأَةِ فِي دُخُولِ مَنْزِلِ زَوْجِهَا لِمَنْ عَلِمَتْ عِلْمًا مُحَقَّقًا أَنَّهُ لَا يَكْرَهُهُ بِحَيْثُ لَا يَخْلُو بِهَا الْخُلْوَةَ الْمُحَرَّمَةَ. (فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ) : بِالنَّصْبِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ أَيْ: أَكْرَمَ عَلِيَّ اللَّهُ (أَضْيَافًا مِنِّي) : فِيهِ اسْتِحْبَابُ الشُّكْرِ عِنْدَ هُجُومِ نِعْمَةٍ وَانْدِفَاعِ نِقْمَةٍ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِظْهَارِ الْبِشْرِ وَالْفَرَحِ بِالضَّيْفِ فِي وَجْهِهِ (قَالَ) : أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ أَوْ سَمِعَ مِنْهُمْ (فَانْطَلَقَ) : أَيْ بِهِمْ إِلَى حَدِيقَتِهِ. فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلَةٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الشَّمَائِلِ، (فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ) : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ " بِقِنْوٍ " كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ مِنَ النَّخْلِ بِمَنْزِلَةِ الْعُنْقُودِ مِنَ الْعِنَبِ (فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ) : أَيْ فَوَضَعَهُ فَقَالَ: (كُلُوا مِنْ هَذِهِ) : أَيِ التَّمَرَاتِ وَأَنْوَاعِهَا. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفَلَا تَنَقَّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْتَارُوا مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْئَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ظِلٌّ بَارِدٌ وَرُطَبٌ طِيِّبٌ وَمَاءٌ بَارِدٌ» " فَانْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ لِيَضَعَ لَهُمْ طَعَامًا انْتَهَى.

قَالَ النَّوَوِيُّ: الْعِذْقُ هُنَا بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْكِبَاسَةُ وَهِيَ الْغُصْنُ مِنَ النَّخْلِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ الْفَاكِهَةِ عَلَى الطَّعَامِ، وَالْمُبَادَرَةُ إِلَى الضَّيْفِ بِمَا تَيَسَّرَ، وَإِكْرَامُهُ بَعْدَهُ بِمَا يَصْنَعُ لَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ: وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ التَّكَلُّفَ لِلضَّيْفِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ مَشَقَّةً ظَاهِرَةً لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَكَمَالِ السُّرُورِ بِالضَّيْفِ، وَأَمَّا فِعْلُ الْأَنْصَارِيِّ وَذَبْحُهُ الشَّاةَ، فَلَيْسَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ، بَلْ لَوْ ذَبَحَ أَغْنَامًا لَكَانَ مَسْرُورًا بِذَلِكَ مَغْبُوطًا فِيهِ انْتَهَى. وَسَبَبُهُ أَنَّهُ صَارَ صَدِيقًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِصَاحِبَيْهِ، حَيْثُ عَلِمُوا رِضَاهُ وَفَرَحَهُ بِمَا أَتَاهُمْ، وَنَظِيرُهُ مَا حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ صَارَ ضَيْفًا لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَرَأَى فِي يَدِ عَبْدِ الْمُضِيفُ وَرَقَةً فِيهَا شِرَاءُ أَسْبَابِ أَنْوَاعِ الطَّبِيخِ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>