أَرَادَهَا سَيِّدُهُ، فَأَخَذَهَا الشَّافِعِيُّ، وَأَلْحَقَ فِيهَا نَوْعَ طَبِيخٍ كَانَ مُشْتَهًى لَهُ، فَلَمَّا مَدَّ السِّمَاطَ اسْتَغْرَبَ الْمُضِيفُ ذَلِكَ النَّوْعَ، وَنَادَى عَبْدَهُ سِرًّا وَسَأَلَهُ فَذَكَرَ لَهُ فَأَعْتَقَ عَبْدَهُ فَرَحًا بِذَلِكَ وَاسْتَبْشَرَ اسْتِبْشَارًا عَظِيمًا. وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِثْلَ هَذَا الْإِمَامِ الْهُمَامِ رَاضِيًا لِأَنْ أَكُونَ صَدِيقًا لَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: ٦١] (وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَقَدْ يُكْسَرُ أَوَّلُهُ وَاحِدُ الْمُدَى، وَهَى سِكِّينُ الْقَصَّابِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْمُدْيَةُ مُثَلَّثَةُ الشَّفْرَةِ. (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ» ) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ ذَاتَ اللَّبَنِ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَرَكُوبٍ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ لَا تَذْبَحَنَّ لَنَا شَاةً ذَاتَ دَرٍّ (فَذَبَحَ لَهُمْ) : أَيْ عَنَاقًا أَوْ جَدْيًا فَأَتَاهُمْ بِهَا، كَمَا فِي رِوَايَةِ (فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ، وَشَرِبُوا) : أَيْ: ثَانِيًا أَوِ الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، (فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا) : بِضَمِّ الْوَاوِ وَأَصْلُهُ رَوَيُوا فَنُقِلَتْ ضَمَّةُ الْيَاءِ إِلَى مَا قَبْلَهَا بَعْدَ سَلْبِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا فَحُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : أَيْ ثَانِيًا جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ (لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ» ) .
قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: أَخْرَجَكُمْ. . الَخْ، جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانٌ لِمُوجَبِ السُّؤَالِ عَنِ النَّعِيمِ يَعْنِي: حَيْثُ كُنْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى الطَّعَامِ مُضْطَرِّينَ إِلَيْهِ، فَنِلْتُمْ غَايَةَ مَطْلُوبِكُمْ مِنَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ يَجِبُ أَنْ تَسْأَلُوا، وَيُقَالُ لَكُمْ: هَلْ أَدَّيْتُمْ شُكْرَهَا أَمْ لَا؟ ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الشِّبَعِ، وَمَا جَاءَ فِي كَرَاهَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ؟ لِأَنَّهُ يُقَسِّي الْقَلْبَ وَيُنْسِي حَالَ الْمُحْتَاجِينَ، وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ؟ ، فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْمُرَادُ بِهِ السُّؤَالُ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّ شُكْرِهِ، وَالَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ السُّؤَالَ هَذَا سُؤَالُ تَعْدَادِ النِّعَمِ، وَإِعْلَامٌ بِالِامْتِنَانِ بِهَا، وَإِظْهَارُ الْكَرَامَةِ بِإِسْبَاغِهَا لَا سُؤَالُ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ وَمُحَاسَبَةٍ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَسَيَأْتِي لِهَذَا تَتِمَّةٌ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي، ثُمَّ فِي الشَّمَائِلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «هَلْ لَكَ خَادِمٌ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ فَأْتِنَا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْسَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ؟ فَأَتَاهُ أَبُو الْهَيْثَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اخْتَرْ مِنْهُمَا) فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! اخْتَرْ لِي. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ. خُذْ هَذَا، فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّى وَاسْتَوْصِ "، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ " وَاسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا "، فَانْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا أَنْتَ بِبَالِغٍ مَا قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا أَنْ تُعْتِقَهُ. قَالَ: فَهُوَ عَتِيقٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا وَلَا خَلِيفَةً إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ، بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالًا وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ فَقَدْ وُقِيَ» "، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى الْحَدِيثِ بِكَمَالِهِ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ: (وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي مَسْعُودٍ: " كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. فِي " بَابِ الْوَلِيمَةِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute