للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَيْ وَبِأُمِّي، وَالْمَعْنَى أَجْعَلُكَ مَفْدِيًّا بِأَيِّهِمَا وَأُصَيِّرُهُمَا فِدَاءً لَكَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُقَالُ لِغَيْرِهِ، كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ لِلسُّيُوطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لَكِنْ وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي "، وَكَذَا لِلزُّبَيْرِ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِمَا، وَلَعَلَّ هَذَا أَيْضًا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ.

(مَا سَلَّمْتُ تَسِلِيمَةً إِلَّا هِيَ) : وَفِي نُسْخَةٍ " إِلَّا وَهِيَ ": أَيِ التَّسْلِيمَةُ (بِأُذُنَيَّ) : بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ فِي مَسْمُوعِي (وَلَقَدْ رَدَدْتُ عَلَيْكَ) : أَيْ أَجَبْتُكَ سِرًّا كُلَّ مَرَّةٍ (وَلَمْ أُسْمِعْكَ ; أَحْبَبْتُ) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ، أَيْ وَدِدْتُ (أَنْ أَسْتَكْثِرَ مِنْ سَلَامِكَ وَمِنَ الْبَرَكَةِ) : أَيْ فِي سَلَامِكَ وَكَلَامِكَ. قِيلَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَضُمُّ " وَبَرَكَاتُهُ "، وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ عَدَمِ إِسْمَاعِ رَدِّ السَّلَامِ لِمِثْلِ هَذَا الْغَرَضِ الْخَطِيرِ، يَعْنِي لِتَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ فِيهِ إِشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ مِنْ غَيْرِ إِسْمَاعٍ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَرَضِ، وَلَعَلَّهُ وَقَعَ الْإِسْمَاعُ حَالَ الِاتِّبَاعِ (ثُمَّ دَخَلُوا الْبَيْتَ فَقَّرَبَ لَهُ زَبِيبًا) : أَيْ قَدَّمَ بَعْضًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَفِي رِوَايَةٍ: " فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَبِيبٍ " (فَأَكَلَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : أَيْ مِنْهُ (فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ) : أَيْ دَعَا (أَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ) : قَالَ الْمُظْهِرُ يَجُوزُ أَنَ يَكُونَ هَذَا دُعَاءً مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا، وَهَذَا الْمَوْصُوفُ مَوْجُودٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ أَبَرُّ الْأَبْرَارِ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ دُعَاءً لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ أَحَدٌ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ بَرٌّ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّ إِطْلَاقَ الْأَبْرَارِ وَهُوَ جَمْعٌ عَلَى نَفْسِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِلتَّعْظِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: ١٢٠] قُلْتُ: وَكَذَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: (وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ) : أَنْ يَكُونَ دُعَاءً وَإِخْبَارًا وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ) : فَدُعَاءٌ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِخْبَارِ بِهِ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً تَامَّةً، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَا كَانَ وَقْتَ الْإِفْطَارِ، وَلَا يُنَافِيهِ تَقْيِيدُهُ فِي رِوَايَةٍ بِقَوْلِهِ: " إِذَا أَفْطَرَ عِنْدَ قَوْمٍ دَعَا لَهُمْ "، بَلْ فِيهِ تَأْيِيدٌ لَهُ، فَتَأَمَّلْ غَايَتَهُ أَنَّهُ قَيْدٌ وَاقِعِيٌّ لَا احْتِرَازِيٌّ (رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ) : قَالَ مِيرَكُ جَاءَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَبِيبٍ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: " أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ» "، هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَفْطَرَ عِنْدَ قَوْمٍ دَعَا لَهُمْ فَقَالَ: " أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ ". . الْخَ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ: " أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ ". . الْخَ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَعِنْدَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بَدَلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِتَعَدُّدِ الْقَضِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>