للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٣٨٧ - وَعَنْهُ «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

٤٣٨٧ - (وَعَنْهُ) : أَيْ عَنْ أَنَسٍ (أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ فَصُّهُ) : أَيْ فَصُّ الْخَاتَمِ (مِنْهُ) : أَيْ مِنَ الْفِضَّةِ، وَتَذْكِيرُهُ لِأَنَّهُ بِتَأْوِيلِ الْوَرِقِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا صُنِعَ مِنْهُ الْخَاتَمُ وَهُوَ الْفِضَّةُ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ " مِنْ " فِي " مِنْهُ " لِلتَّبْعِيضِ، وَالضَّمِيرُ لِلْخَاتَمِ أَيْ فَصُّهُ بَعْضٌ مِنَ الْخَاتَمِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ حَجَرًا، فَإِنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ مُجَاوِرٌ لَهُ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَلَفْظُهُ: " مِنْ فِضَّةٍ كُلِّهِ ". قَالَ مِيرَكُ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْخَوَاتِيمِ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِيَاسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٍّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ، فَرُبَّمَا كَانَ فِي يَدِهِ، قَالَ: وَكَانَ مُعَيْقِيبٌ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - يَعْنِي كَانَ أَمِينًا عَلَيْهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ ابْنُ سَعْدٍ شَاهِدًا مُرْسَلًا عَنْ مَكْحُولٍ، «أَنَّ خَاتَمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٍّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ غَيْرَ أَنَّ فَصَّهُ بَارِزٌ» ، أَخْرَجَ مُرْسَلًا أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلَهُ دُونَ مَا فِي آخِرِهِ، وَثَالِثًا مُسْنَدًا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَلَبِسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى قُبِضَ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ أَنَّ ذَلِكَ جَرَى لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ أَخِي خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَلَفْظُهُ قَالَ: «دَخَلَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ حِينَ كَانَ فِي الْحَبَشَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " مَا هَذَا الْخَاتَمُ فِي يَدِكَ يَا عَمْرُو " قَالَ: هَذَا حَلَقَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " فَمَا نَقْشُهَا؟ " قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ لَبِسَهُ عُثْمَانُ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحْفُرُ بِئْرًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ أَرَيْسَ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى شَفَتِهَا يَأْمُرُ بِحَفْرِهَا سَقَطَ الْخَاتَمُ فِي الْبِئْرِ، وَكَانَ عُثْمَانُ يُكْثِرُ إِخْرَاجَ خَاتَمِهِ مِنْ يَدِهِ وَإِدْخَالِهِ، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ» ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْخَاتَمَ هُوَ الَّذِي كَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا حَيْثُ أُتِي بِهِ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ وَرِقٍ أَيْ مَلْوِيٍّ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَلَا يُلَائِمُهُ قَوْلُ أَنَسٍ: كَانَ يَخْتِمُ بِهِ أَيْ أَحْيَانًا وَلَا يَلْبَسُهُ أَيْ أَبَدًا، قَالَ مِيرَكُ: وَإِنَّمَا أَخَذَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَالِدٍ أَوْ عَمْرٍو لِئَلَّا يُشْتَبَهَ عِنْدَ الْخَتْمِ بِخَاتَمِهِ الْخَاصِّ، إِذْ نَقْشُهُ مُوَافِقٌ لِنَقْشِهِ، فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْخَتْمِ بِهِ كَمَا سَبَقَ فِي سَبَبِ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ، وَأَمَّا الَّذِي فَصُّهُ مِنْ فِضَّةٍ، فَهُوَ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِيَاغَتِهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: أَنَا صَنَعْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا لَمْ يُشْرِكْنِي فِيهِ أَحَدٌ، نَقَشْتُ فِيهِ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " وَكَانَ اتِّخَاذُهُ قَبْلَ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ مِنْ خَالِدٍ أَوْ عَمْرٍو، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، أَنَّهُ أَخْرَجَ لَهُمْ خَاتَمًا، وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُهُ، فِيهِ تِمْثَالُ أَسَدٍ» ، قَالَ مَعْمَرٌ: فَغَسَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَشَرِبَهُ، فَفِيهِ مَعَ إِرْسَالِهِ ضَعْفٌ ; لِأَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ، فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ، فَلَعَلَّهُ لَبِسَهُ مَرَّةً قَبْلَ النَّهْيِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا وَفِي الشَّمَائِلِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ» أَيْ حَقِيقَةً بِأَنْ كَانَ لَابِسَهُ أَوْ فِي تَصَرُّفِهِ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ لِلْخَتْمِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَيْ لِلْخَتْمِ بِهِ، أَوْ لِلتَّبَرُّكِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ السَّابِقَيْنِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْ فِي أُصْبُعِهِ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ لَبِسُوهُ أَحْيَانًا لِأَجْلِ التَّبَرُّكِ بِهِ، وَكَانَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ مُعَيْقِيبٍ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِ الْخَاتَمِ فِي أَيْدِيهِمْ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ كَمَا يُقَالُ فِي الْعُرْفِ: أَنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ فِي يَدِ فُلَانٍ وَهُوَ ذُو الْيَدِ أَيْ عِنْدَهُ فَيَأْبَى ظَاهِرُ قَوْلِهِ: حَتَّى وَقَعَ أَيْ سَقَطَ الْخَاتَمُ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ أَرَيْسَ، ثُمَّ ظَاهَرُ السِّيَاقِ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ، وَصَرِيحُ مَا وَرَدَ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ مَوْلَى سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَدِينَةِ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ، وَلَا تَنَافِيَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمَّا دَفَعَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ اسْتَقْبَلَهُ بِأَخْذِهِ فَسَقَطَ، فَنُسِبَ سُقُوطُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إِلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ بِمَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرَيْسَ، فَأَخَرَجَ الْخَاتَمَ، فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ قَالَ: فَاخْتَلَفْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَعَ عُثْمَانَ نَنْزِحُ الْبِئْرَ، فَلَمْ نَجِدْهُ. وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ أَنَّ عُثْمَانَ طَلَبَ الْخَاتَمَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ لِيَخْتِمَ بِهِ شَيْئًا، وَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي شَيْءٍ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ الْوَاقِعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ نِسْبَةِ الْعَبَثِ بِهِ، حَيْثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>