٤٤٢٠ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٤٤٢٠ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْفِطْرَةُ) : أَيْ فِطْرَةُ الْإِسْلَامِ (خَمْسٌ) : قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: فُسِّرَتِ الْفِطْرَةُ بِالسُّنَّةِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْأَنْبِيَاءُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ، وَكَأَنَّهَا أَمْرٌ جَبْلِيٌّ فُطِرُوا عَلَيْهِ.
قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا وَأَجْمَعُهُ. (الْخِتَانُ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، فَفِي الْقَامُوسِ: خَتَنَهُ يَخْتِنُهُ فَهُوَ خَتِينٌ وَمَخْتُونٌ قُطِعَ غُرْلَتُهُ، وَالِاسْمُ كَكِتَابٍ، وَالْغُرْلَةُ بِالضَّمِّ الْقُلْفَةُ. قَالَ فِي شَرْحِ شِرْعَةِ الْإِسْلَامِ: مِنَ السُّنَّةِ الْخِتَانُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَمِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ: أَنَّهُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَشَدَّدَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ وَقَالَ: الْأَقْلَفُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَصَلَاتُهُ وَذَبِيحَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا، فَلَوْلَا وُجُوبُ الْخِتَانِ لَمْ يَجُزْ كَشْفُهَا، فَجَوَازُ الْكَشْفِ دَلِيلُ وُجُوبِهِ، كَذَا فِي التَّنْوِيرِ. وَيُمْكِنُ أَنَّ مُرَادَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ، لَا أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، لَكِنَّ غَالِبَ الْكُتُبِ مَشْحُونٌ بِأَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ، لَكِنْ إِنْ لَمْ يُولَدْ مَخْتُونًا تَامًّا، وَإِنَّمَا قُيِّدْنَا بِهِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى: صَبِيٌّ وُلِدَ مَخْتُونًا بِحَيْثُ لَوْ رَآهُ إِنْسَانٌ يَرَاهُ كَأَنَّهُ خُتِنَ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِ الْخِتَانُ مَرَّةً أُخْرَى، وَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ مِنَ الْحَجَّامِينَ تُرِكَ وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ. وَذَكَرَ زَيْنُ الْعَرَبِ: أَنَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَبِيًّا وُلِدُوا مَخْتُونِينَ: آدَمُ، وَشَيْثُ، وَنُوحٌ، وَصَالِحٌ، وَشُعَيْبٌ، وَيُوسُفُ، وَمُوسَى، وَزَكَرِيَّا، وَسُلَيْمَانُ، وَعِيسَى، وَحَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ وَهُوَ نَبِيُّ أَصْحَابِ الرَّسِّ، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الشِّرْعَةِ: أَنَّهُ قَدْ وُلِدَ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ مَخْتُونِينَ مَسْرُورِينَ أَيْ مَقْطُوعِينَ السُّرَّةَ كَرَامَةً لَهُمْ، لِئَلَّا يَنْظُرَ أَحَدٌ إِلَى عَوْرَاتِهِمْ، إِلَّا إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ قَدْ خَتَنَ نَفْسَهُ لِيُسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ بَعْدَهَا، هَذَا لِلرَّجُلِ، وَأَمَّا لِلنِّسَاءِ فَمَكْرُمَةٌ، فَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: خِتَانُ الرِّجَالِ سُنَّةٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي خِتَانِ الْمَرْأَةِ، قَالَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: مَكْرُوهٌ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: سُنَّةٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَاجِبٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَرْضٌ. قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَمَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ وَالِدِ أَبِي الْمَلِيحِ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْمَكْرُمَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَاحِدَةُ الْمَكَارِمِ، وَفِي فَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ: أَنَّ وَقْتَ الْخِتَانِ سَبْعُ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ اهـ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْوَقْتَ الْأَفْضَلَ الْأَعْدَلَ.
(وَالِاسْتِحْدَادُ) : أَيْ حَلْقُ الْعَانَةِ، وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْحَدِيدِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيدِ مِنْ نَحْوِ الْمُوسَى فِي حَلْقِ الْعَانَةِ ذِي الشَّعْرِ الَّذِي حَوَالَيْ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ. زَادَ ابْنُ شُرَيْحٍ: وَحَلْقَةُ الدُّبُرِ، فَجَعَلَ الْعَانَةَ مَنْبَتَ الشَّعْرِ مُطْلَقًا، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ أَزَالَ شَعْرَهُ بِغَيْرِ الْحَدِيدِ لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ. كَذَا فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ، وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ شَيْئًا مِنْ شَعْرٍ وَهُوَ جُنُبٌ. (وَقَصُّ الشَّارِبِ) : وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى طَرَفِ الشَّفَةِ الْعُلْيَا، وَلِلنَّسَائِيِّ: وَحَلْقُ الشَّارِبِ، وَلَهُ أَيْضًا: وَتَقْصِيرُ الشَّارِبِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ أَنْ يَقُصَّهُ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَلَا يَحْفِيهُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ: أَحِفُّوا فَمَعْنَاهَا أَزِيلُوا مَا طَالَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَصُّ الشَّارِبِ أَنْ يَأْخُذَ مَا طَالَ عَلَى الشَّفَةِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي الْآكِلَ، وَلَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ. وَقَالَ: الْإِحْفَاءُ هُوَ الْقَصُّ الْمَذْكُورُ، وَلَيْسَ بِالِاسْتِئْصَالِ عِنْدَ مَالِكٍ. وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ: أَيْ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ الِاسْتِئْصَالُ، وَذَهَبَ الطَّبَرِيُّ إِلَى التَّخْيِيرِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الْإِحْفَاءَ الِاسْتِئْصَالُ، وَكَذَا النَّهْكُ بِالنُّونِ وَالْكَافِ الْمُبَالَغَةُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ، وَلَا تَعَارُضَ ; فَإِنَّ الْقَصَّ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ، وَالْإِحْفَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ، وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ. وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَرَجَّحَ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْأَمْرَيْنِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ، كَذَا حَقَّقَهُ السُّيُوطِيُّ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَا يَحْلِقُ شَعْرَ حَلْقِهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ شَعْرَ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرَ وَجْهِهِ مَا لَمْ يَتَشَبَّهْ بِالْمُخَنَّثِينَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ أَنْ يَحْلِقَ قَفَاهُ إِلَّا عِنْدَ الْحِجَامَةِ، وَأَمَّا حَلْقُ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالظَّهْرِ، فَفِيهِ تَرْكُ الْأَدَبِ كَذَا فِي الْقِنْيَةِ.
(وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ) : وَالْمُسْتَحَبُّ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْإِحْيَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَدَيْنِ قَبْلَ الرِّجْلَيْنِ، فَيَبْدَأُ بِمُسَبِّحَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْبِنْصِرِ، ثُمَّ الْخِنْصِرِ، ثُمَّ الْإِبْهَامِ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْيُسْرَى، فَيَبْدَأُ بِخِنْصِرِهَا، ثُمَّ بِنْصِرِهَا إِلَى آخِرِهَا، ثُمَّ يَبْدَأُ بِخِنْصِرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى، وَيَخْتِمُ بِبِنْصِرِ الْيُسْرَى، وَفِي الْقِنْيَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute