٤٤٨٧ - وَعَنِ ابْنِ الْمَسَيَّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُمِعَ يَقُولُ: " «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا - أُرَاهُ قَالَ - أَفْنِيَتَكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» ". قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِيهِ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " نَظِّفُوا أَفْنِيتَكُمْ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ــ
٤٤٨٧ - (وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ) : بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيَّ الْمَخْزُومِيَّ الْمَدَنِيَّ، وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ سَيِّدَ التَّابِعِينَ مِنَ الطِّرَازِ الْأَوَّلِ، جَمَعَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ، وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِقَضَايَا عُمَرَ، لَقِيَ جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِنَ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى عَنْهُمْ، وَعَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَكَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ مَكْحُولٌ: طُفْتُ الْأَرْضَ كُلَّهَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، فَمَا لَقِيتُ أَعْلَمَ مِنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، حَجَجْتُ أَرْبَعِينَ حَجَّةً، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ. (سُمِعَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَضَمِيرُهُ رَاجِعٌ إِلَى ابْنِ الْمُسَيَّبِ (يَقُولُ) : حَالٌ مِنْهُ أَوْ مَفْعُولٌ ثَانٍ (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ) : أَيْ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ مُقَدَّسٌ عَنِ الْعُيُوبِ (يُحِبُّ الطِّيبَ) : بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيْ طِيبَ الْحَالِ وَالْقَالِ أَوِ الرِّيحَ الطَّيَّبِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُحِبُّ اسْتِعْمَالَهُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَرْضَى عَنْهُمْ بِهَذَا الْفِعْلِ، وَهَذَا يُلَائِمُ مَعْنَى قَوْلِهِ: (نَظِيفٌ) : أَيْ طَاهِرٌ (يُحِبُّ النَّظَافَةَ) : أَيِ الطَّهَارَةَ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُوصَفُ بِالطَّيِّبَاتِ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَحْوَالِ. (كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ) : بِفَتْحِ جِيمٍ وَتَخْفِيفِ وَاوٍ (يُحِبُّ الْجُودَ) : قَالَ الرَّاغِبُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْجُودِ وَالْكَرَمِ أَنَّ الْجُودَ بَذْلُ الْمُقْتَنَيَاتِ، وَيُقَالُ رَجُلٌ جَوَادٌ وَفَرَسٌ جَوَادٌ يَجُودُ بِمُدَّخَرِ عَدْوِهِ، وَالْكَرَمُ إِذَا وُصِفَ الْإِنْسَانُ بِهِ، فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَخْلَاقِ وَالْأَفْعَالِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْهُ وَلَا يُقَالُ هُوَ كَرِيمٌ حَتَّى يَظْهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ أَكْرَمَ الْأَفْعَالِ الْمَحْمُودَةِ وَأَشْرَفَهَا مَا يُقْصَدُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى.
فَمَنْ قَصَدَ ذَلِكَ بِمَحَاسِنِ فِعْلِهِ فَهُوَ التَّقِيُّ، فَإِنَّ أَكْرَمَ النَّاسِ أَتْقَاهُمْ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَشْرُفُ فِي بَابِهِ، فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِالْكَرَمِ. قَالَ تَعَالَى: {أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ - وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: ٧ - ٥٨] ، {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: ٧٧] ، (فَنَظِّفُوا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِيهِ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَطَيِّبُوا كُلَّ مَا أَمْكَنَ تَطْيِيبُهُ، وَنَظِّفُوا كُلَّ مَا سَهُلَ لَكُمْ تَنْظِيفُهُ حَتَّى أَفْنِيَةِ الدَّارِ، وَهِيَ مُتَّسَعٌ أَمَامَ الدَّارِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ نِهَايَةِ الْكَرَمِ وَالْجُودِ، فَإِنَّ سَاحَةَ الدَّارِ إِذَا كَانَتْ وَاسِعَةً نَظِيفَةً طَيِّبَةً كَانَتْ أَدْعَى بِجَلْبِ الضِّيفَانِ، وَتَنَاوُبِ الْوَارِدِينَ وَالصَّادِرِينَ اهـ.
(أُرَاهُ) : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ وَالْقَائِلُ هُوَ السَّامِعُ مِنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَيْ أَظُنُّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ (قَالَ: أَفْنِيتَكُمْ) : بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ نَظِّفُوا وَهِيَ جَمْعُ الْفِنَاءِ بِالْكَسْرِ أَيْ سَاحَةَ الْبَيْتِ وَقُبَالَتَهُ وَقِيلَ: عَتَبَتَهُ وَسُدَّتَهُ، (وَلَا تَشَبَّهُوا) : بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ عَطْفًا عَلَى نَظِّفُوا أَيْ لَا تَكُونُوا مُتَشَبِّهِينَ (بِالْيَهُودِ) : أَيْ فِي عَدَمِ النَّظَافَةِ وَالطَّهَارَةِ وَقِلَّةِ التَّطَيُّبِ وَكَثْرَةِ الْبُخْلِ وَالْخِسَّةِ وَالدَّنَاءَةِ، وَذَلِكَ لَمَّا ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ، بِخِلَافِ النَّصَارَى، فَإِنَّهُمْ أُعْطُوا الْعِزَّةَ الظَّاهِرَةَ وَالسَّلْطَنَةَ، وَلَعَلَّ أَصْلَهُ مَا قَالَ تَعَالَى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة: ٨٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute