للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(وَالْعُرُوقُ إِلَيْهَا وَارِدَةٌ) أَيْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (فَإِذَا صَحَّتِ الْمَعِدَةُ صَدَرَتْ) : أَيْ رَجَعَتِ (الْعُرُوقُ بِالصِّحَّةِ) أَيْ عَنْهَا (وَإِذَا فَسَدَتِ الْمَعِدَةُ صَدَرَتِ الْعُرُوقُ بِالسَّقَمِ) . بِفَتْحَتَيْنِ وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيِ: الْمَرَضُ وَالْأَلَمُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْحَدِيثُ أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا فِي كِتَابِ " لَقْطِ الْمَنَافِعِ " شَبَّهَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ الْمَعِدَةَ بِالْحَوْضِ، وَالْبَدَنَ بِالشَّجَرِ، وَالْعُرُوقَ الْوَارِدَةَ إِلَيْهَا بِعُرُوقِ الشَّجَرِ الضَّارِبَةِ إِلَى الْحَوْضِ الْجَاذِبَةِ مَاءَهُ إِلَى الْأَغْصَانِ وَالْأَوْرَاقِ، فَمَتَى كَانَ الْمَاءُ صَافِيًا وَلَمْ يَكُنْ مِلْحًا أُجَاجًا كَانَ سَبَبًا لِنَضَارَةِ الْأَشْجَارِ وَخَضَارَتِهَا، وَإِلَّا كَانَ سَبَبًا لِذُبُولِهَا وَجَفَافِهَا، فَكَذَا حُكْمُ الْبَدَنِ مَعَ الْمَعِدَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِلَطِيفِ حِكْمَتِهِ وَبَدِيعِ فِطْرَتِهِ جَعَلَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ مُتَسَلِّطَةً تُحَلِّلُ الرُّطُوبَاتِ تَسْلِيطَ الرَّاحِ عَلَى السَّلِيطِ، وَخَلَقَ فِيهِ أَيْضًا قُوَّةً جَاذِبَةً سَارِيَةً فِي مَجَارِي عُرُوقٍ وَارِدَةٍ إِلَى الْكَبِدِ طَالِبَةً مِنْهُ مَا صَفَا مِنَ الْأَخْلَاطِ الَّتِي حَصَلَتْ فِيهِ بِسَبَبِ عُرُوقٍ وَارِدَةٍ مِنْهُ إِلَى الْمَعِدَةِ جَاذِبَةً مِنْهَا مَا انْهَضَمَ مِنَ الْمَشْرُوبِ وَالْمَطْعُومِ لِيَنْطَبِخَ فِي الْكَبِدِ مَرَّةً أُخْرَى، فَيَصِيرُ بَدَلًا لِمَا تَحَلَّلَ مِنْهُ، هَذَا مَعْنَى الصُّدُورِ بَعْدَ الْوُرُودِ، لِأَنَّ الْعُرُوقَ مَجَارٍ لِمَا يَرِدُ فِيهَا وَيَصْدُرُ مِنْهَا، كَعُرُوقِ الشَّجَرِ، فَالْأُسْلُوبُ مِنْ بَابِ سَالَ الْوَادِي وَجَرَى الْمِيزَابُ، فَإِذَا كَانَ فِي الْمَعِدَةِ غِذَاءٌ صَالَحٌ، وَانْحَدَرَ فِي تِلْكَ الْعُرُوقِ إِلَى الْكَبِدِ تَحَصَّلَ مِنْهُ الْغِذَاءُ الْمَحْمُودُ لِلْأَعْضَاءِ خَلَفًا لِمَا تَحَلَّلَ مِنْهَا، وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا إِمَّا بِكَثْرَةِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ أَوْ إِدْخَالِ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَانَ سَبَبًا لِتَوَلُّدِ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَمْرَاضِ الْمُرْدِيَةِ، وَذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَرَّرَهُ عَلَى قَوَاعِدَ الطِّبِّ.

وَالْأَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى الطِّبِّ النَّبَوِيِّ بِأَنْ يُقَالَ: أَنَّ أَفْعَالَ الرَّجُلِ وَأَقْوَالَهُ وَآدَابَهُ عَلَى حَسَبِ مُرَاعَاةِ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، فَإِنْ دَخَلَ الْحَرَامُ خَرَجَ الْحَلَالُ، وَإِنْ دَخَلَ الْفُضُولُ خَرَجَ الْمَفْضُولُ مِنْ كُلِّ أُصُولٍ وَفُصُولٍ وَكَانَ الطَّعَامُ بَذْرُ الْأَفْعَالِ وَالْأَفْعَالُ بِمَنْزِلَةِ نَبْتٍ يَبْدُو مِنْهُ فِي الْحَالِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا قِيلَ: كُلُّ إِنَاءٍ يَتَرَشَّحُ بِمَا فِيهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: ٥١] ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» ". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِحْيَاءِ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِهِ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ وَقَالَ: بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ اهـ. وَلَعَلَّ الْبُطْلَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُسْنَدِ الْعُقَيْلِيِّ وَإِلَّا فَمَعَ تَعَدُّدِ الطُّرُقِ وَتَقْوِيَتِهِ بِرِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَابْنِ الْجَوْزِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ يَكُونُ حَسَنًا أَوْ ضَعِيفًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي حَقِّهِ: أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>