٤٥٨٦ - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا هَامَةَ وَلَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ. وَإِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ، وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
٤٥٨٦ - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا هَامَةَ وَلَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَإِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ) : أَيْ صَحِيحَةٌ أَوْ أَنْ تَقَعَ وَتُوجَدَ (فِي شَيْءٍ) : أَيْ مِنَ الْأَشْيَاءِ (فَفِي الدَّارِ) : أَيْ فَهِيَ فِي الدَّارِ الضَّيِّقَةِ (وَالْفَرَسِ) : أَيِ الْجَمُوحُ (وَالْمَرْأَةِ) : أَيِ السَّلِيطَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ فَرْضَ وَجُودِهَا تَكُونُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ بِلَفْظِ: " «إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» "، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ نَفْيُ صِحَّةِ الطِّيَرَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» ) فَلَا يُنَافِيهُ حِينَئِذٍ عُمُومُ نَفْيِ الطِّيَرَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: إِنْ تَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَيْ لَا تَكُونُ الطِّيَرَةُ إِلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ إِخْبَارًا عَنْ غَالِبِ وُقُوعِهَا، وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا وَقَعَ مِنَ النَّهْيِ عَنْهَا، وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا يَقَعُ عَنِ الْيَمَنِ بِمَعْزِلٍ فَلَا يُبَارَكُ لِصَاحِبِهِ فِيهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «ذَرُوهَا ذَمِيمَةً» ". وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مَخْفِيًّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا بِالتَّخْمِينِ وَالظَّنِّ أَتَى فِيهِ بِصِيغَةِ التَّرَدُّدِ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ أَحَدٌ عَلَى الْقَوْلِ فِيهِ بِالظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالطِّيَرَةِ الْكَرَاهَةَ الطَّبِيعِيَّةَ لَا التَّشَاؤُمَ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَرِهْتُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَأَبْدِلُوهَا بِالْأُخْرَى. قُلْتُ: وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ وَمَقْصِدٌ مُسْتَحْسَنٌ لَوْلَا أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ: " فَإِنْ يَكُنِ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ " إِلَخْ. هَذَا وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَثِيرُونَ: هُوَ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الطِّيَرَةِ أَيِ الطِّيَرَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ خَارِجَةً مِنْ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيِ الشُّؤْمُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " «إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْمَرْأَةُ وَالْفَرَسُ وَالدَّارُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ: " «الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» "، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: " «ذَرُوهَا ذَمِيمَةً» ". قُلْتُ: وَهَذَا عَيْنُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ مَآلًا، وَإِنَّمَا قَالُوا فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مِنَ الْأَدَاءِ شَيْءٌ، بَلْ وَقَعَتْ بَعْدَ نَفْيِ الطِّيَرَةِ وَنَهْيِهَا جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ قَدْ يُسْتَفَادُ مِنْهَا مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢] قُلْتُ: عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ كَوْنِ الْحَدِيثِ مِنْ بَابِ الْآيَةِ فَفِي الْآيَةِ أَقْوَالٌ. فَقِيلَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْمَعْنَى اللَّازِمِ لِلنَّهْيِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: تَسْتَحِقُّونَ الْعِقَابَ بِنِكَاحِ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ، أَوْ مِنْ لَفْظِ مَا نَكَحَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّعْمِيمِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
وَيَسُدُّ الطَّرِيقَ فِي إِبَاحَتِهِ كَمَا تَعَلَّقَ بِالْمُحَالِ فِي التَّأْيِيدِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ} [الأعراف: ٤٠] وَالْمَعْنَى، وَلَا تَنْكِحُوا حَلَائِلَ آبَائِكُمْ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنْ أَمْكَنَكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، وَمَعْنَاهُ لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ، فَإِنَّهُ لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُقَرَّرٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي لَا يُلَائِمُ الْمَقَامَ لِيُبْنَى عَلَيْهِ الْكَلَامُ، نَعَمْ بِحَسَبِ الْمَعْنَى يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوْسَطِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الطِّيبِيِّ عَطْفًا عَلَى بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» ) وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، وَعَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي حَيْثُ قَالَ: وَوَجْهُ تَعْقِيبِ قَوْلِهِ: وَلَا طِيَرَةَ بِهَذِهِ الشَّرْطِيَّةِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشُّؤْمَ أَيْضًا مَنْفِيٌّ عَنْهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشُّؤْمَ لَوْ كَانَ لَهُ وُجُودٌ فِي شَيْءٍ لَكَانَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهَا أَقْبَلُ الْأَشْيَاءَ لَهَا، لَكِنْ لَا وُجُودَ لَهُ فِيهَا فَلَا وُجُودَ لَهُ أَصْلًا اهـ. كَلَامُهُ.
فَعَلَى هَذَا الشُّؤْمُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ الَّتِي سَبَبُهَا مَا فِي الْأَشْيَاءِ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ أَوِ الطَّبْعِ، كَمَا قِيلَ: شُؤْمُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا، وَكَذَا شُبْهَةٌ فِي سُكْنَاهَا وَبُعْدِهَا عَنِ الْجَمَاعَةِ بِحَيْثُ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ، وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ عَدَمُ وِلَادَتِهَا وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا وَغَلَاءُ مَهْرِهَا، وَنَحْوُهَا مَنْ حَمَلَهَا الزَّوْجُ عَلَى مَا لَا يَلِيقُ بِأَرْبَابِ التَّقْوَى، وَشُؤْمُ الْفُرْسِ أَنْ لَا يُغْزَى عَلَيْهَا أَوْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا افْتِخَارًا وَخُيَلَاءَ، وَقِيلَ: حِرَانُهَا وَغَلَاءُ ثَمَنِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute