تَعَالَى: {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} [الحج: ٣١] ، فَتَكُونُ الدَّجَاجَةُ أَنْسَبَ مِنَ الْقَارُورَةِ لِحُصُولِ التَّرْشِيحِ فِي الِاسْتِعَارَةِ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْتُ إِلَيْهِ مَا ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ قَرُّ الدَّجَاجَةِ بِالدَّالِ فَصُحِّفَ إِلَى قَرِّ الزُّجَاجَةِ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّجَاجَةَ فِي أَصْلِ الْمِشْكَاةِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ لَا غَيْرَ، وَهِيَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الدَّجَاجَةُ مَعْرُوفٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَأَمَّا الزُّجَاجَةُ فَهِيَ بِضَمِّ الزَّايِ كَمَا لَا يَخْفَى إِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: فَيَقُرُّهَا، أَيْ: يَصُبُّ الْجِنِّيُّ تِلْكَ الْكَلِمَةَ بِمَعْنَى: يُلْقِيهَا أَوْ يُصَوِّتُ بِهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، أَيْ: مِنَ الْكُهَّانِ. قَرَّ الدَّجَاجَةِ أَيْ: مِثْلُ صَوْتِهَا، وَقِيلَ: مَعْنَى يَقُرُّهَا يَصُبُّهَا، وَكَقَرِّ الدَّجَاجَةِ، أَيْ: كَصَبِّهَا الْمَنِيَّ فِي صَاحِبَتِهِ بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُ النَّاسُ، فَكَذَا الْجِنِّيُّ يَصُبُّهَا فِي أُذُنِ وَلَيِّهِ بِحَيْثُ لَا يُطْلِعُ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ الزُّجَاجَةَ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاهَا: يَصُبُّ فِي أُذُنِ صَاحِبِهِ كَصَبِّ الزُّجَاجَةِ، أَيْ: كَمَا يُصَبُّ مَاءُ قَارُورَةٍ فِي أُخْرَى (فَيَخْلِطُونَ) : بِكَسْرِ اللَّامِ، أَيْ: الْكُهَّانُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ، أَيِ: الْأَوْلِيَاءُ جَمَعَ بَعْدَ الْإِفْرَادِ نَظَرًا إِلَى الْجِنْسِ (فِيهَا) أَيْ: فِي تِلْكَ الْكَلِمَةِ (أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الذَّالِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الْكَافِ، فَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْكِذْبَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَالذَّالُ سَاكِنَةٌ فِيهِمَا. قَالَ الْقَاضِي: وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمُ الْكَسْرَ إِلَّا إِذَا أَرَادُوا بِهِ الْحَالَةَ وَالْهَيْئَةَ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا.
قُلْتُ: هَذَا مَوْضِعُهَا ; لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِمِائَةِ نَوْعٍ مِنَ الْكَذِبِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَيَخْلِطُونَ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ مِائَةَ مَرَّةٍ، لِأَنَّهُ صَادِقٌ عَلَى تَكْرَارِ كَذِبِ وَاحِدٍ مِائَةَ مَرَّةٍ. مَعَ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَاكْتَفَى بِمِائَةٍ، أَوْ قِيلَ: مِائَةُ كَذِبٍ، فَالْعُدُولُ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالتَّاءِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِفَادَةٍ زَائِدَةٍ، هَذَا وَفِي الْقَامُوسِ: كَذَبَ يَكْذِبُ كَذِبًا وَكِذْبًا وَكِذْبَةً وَكَذْبَةً بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الذَّالِ، وَكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الذَّالِ فِيهِمَا. فَمَا ضُبِطَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الذَّالِ مَعَ وُجُودِ التَّاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ رِوَايَةً وَدِرَايَةً، وَيُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يَدْخُلَ فِي وَعِيدِ مَنْ كَذِبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute