٤٥٩٣ - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلَيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذِبَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٤٥٩٣ - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: سَأَلَ أُنَاسٌ) أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْكُهَّانِ) أَيْ: هَلْ لَهُمْ عَلِمٌ بِشَيْءٍ؟ (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسُوا) وَفِي نُسَخَةٍ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا (بِشَيْءٍ) أَيْ: يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، فَلَا تَعْتَمِدُوا عَلَى أَخْبَارِهِمْ، وَلَا تَعْتَقِدُوا فِي أَخْبَارِهِمْ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنَّهُمْ) تَعْلِيلٌ لِمُقَدَّرٍ، أَيْ: نَفْيُ تَصْدِيقِ إِخْبَارِهِمْ عَلَى إِطْلَاقِهِ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُمْ (يُحَدِّثُونَ) أَيْ: يُخْبِرُونَ (أَحْيَانًا) أَيْ: فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ (بِالشَّيْءِ يَكُونُ) : صِفَةٌ أَوْ حَالٌ، أَيْ: يَصِيرُ (حَقًّا) . أَيْ: صِدْقًا مُوَافِقًا لِلْوَاقِعِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ) أَيْ: مِنَ الْأَمْرِ الْوَاقِعِ، وَالصِّدْقِ الثَّابِتِ الْمَسْمُوعِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ أَخَذُوا مِنَ الْحَقِّ بِوَاسِطَةِ الْوَحْيِ، أَوْ بِمُكَاشَفَةِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لَهُمْ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: مِنَ الْجِنِّ أَيْ: مَسْمُوعَةٌ مِنْهُمْ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى إِذِ الْكُهَّانُ يَسْمَعُونَ مِنَ الْجِنِّ وَهُمْ يَسْمَعُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ) أَيْ: يَسْرِقُهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِسُرْعَةٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: بِالْجِيمِ وَالنُّونِ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ فِي بِلَادِنَا، وَرُوِي أَيْضًا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ، وَقَوْلُهُ: (فَيَقُرُّهَا) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ) : بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّجَاجَةِ بِالدَّالِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ: الْقَرُّ تَرْدِيدُكَ الْكَلَامَ فِي أُذُنِ الْمُخَاطَبِ حَتَّى يَفْهَمَهُ. تَقُولُ قَرَرْتُهُ أَقُرُّهُ قَرًّا، وَقَرُّ الدَّجَاجَةِ صَوْتُهَا إِذَا قَطَعَتْهُ، يُقَالُ: قَرَّتْ تَقِرُّ قَرًّا وَقَرِيرًا، فَإِنْ رَدَّدَتْهُ قُلْتَ: قَرَّرَتْ قَرْقَرَةً، وَيُرْوَى قَرُّ الزُّجَاجَةِ بِالزَّايِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ثُبُوتُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِهِ كَمَا تَقُرُّ الْقَارُورَةُ اهـ.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ التُّورِبِشْتِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَرَدَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى وَقَالَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ رَوَاهُ: قَرُّ الزُّجَاجَةِ بِالزَّايِ، وَأَرَاهَا أَحْفَظَ الرِّوَايَتَيْنِ لِمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: قَرُّ الْقَارُورَةِ، يُقَالُ: قَرَرْتُ عَلَى رَأْسِهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ، أَيْ: صَبَبْتُ، وَقَرَّ الْحَدِيثَ فِي أُذُنِهِ يَقُرُّهُ كَأَنَّهُ صَبَّهُ فِيهَا، وَاسْتِعْمَالُ قَرِّ الْحَدِيثِ فِي الْأُذُنِ شَائِعٌ مُسْتَفِيضٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَسَّرُوا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ، لَمْ نَجِدْ لَهُ شَاهِدًا فِي كَلَامِهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّجَاجَةَ بِالدَّالِ تَصْحِيفٌ أَوْ غَلَطٌ مِنَ السَّامِعِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا ارْتِيَابَ أَنَّ قَرَّ الدَّجَاجَةِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّشْبِيهِ، فَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يُشَبَّهَ تَرْدِيدُ مَا اخْتَطَفَهُ مِنَ الْكَلَامِ فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ بِصَبِّ الْمَاءِ فِي الْقَارُورَةِ يَصِحُّ أَنْ يُشَبَّهَ تَرْدِيدُ كَلَامِ الْجِنِّيِّ فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ بِتَرْدِيدِ الدَّجَاجَةِ صَوْتَهَا فِي أُذُنِ صَوَاحِبِهَا، كَمَا تُشَاهِدُ الدِّيَكَةَ إِذَا وَجَدَتْ حَبَّةً، أَوْ شَيْئًا تَقِرُّ وَتُسْمِعُ صَوَاحِبَهَا، فَيَجْتَمِعْنَ عَلَيْهَا، وَبَابُ التَّشْبِيهِ مِمَّا فِيهِ وُسْعٌ لَا يَفْتَقِرُ إِلَّا إِلَى الْعَلَاقَةِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِطَافَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْكَلَامِ مِنْ خَطْفِ الطَّيْرِ. قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute