(وَلْيَتْفُلْ) : بِضَمِّ الْفَاءِ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا، أَيْ: يَبْصُقُ (عَنْ يَسَارِهِ) : كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لِيَنْفُثْ وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ. قَالَ الْجَزَرِيُّ: التَّفْلُ شَبِيهٌ بِالْبَزْقِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْهُ فَأَوَّلُهُ الْبَزْقُ، ثُمَّ التَّفْلُ، ثُمَّ النَّفْثُ، ثُمَّ النَّفْخُ اهـ. وَالْمَعْنَى لِيَبْصُقْ مَاءَ فَمِهِ كَرَاهَةَ الرُّؤْيَا وَتَحْقِيرًا لِلشَّيْطَانِ (ثَلَاثًا) : لِلْمُبَالَغَةِ (وَلَا يُحَدِّثْ) : بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى لِيَتْفُلْ، أَيْ: وَلَا يُخْبِرْ (بِهَا أَحَدًا) أَيْ: سَوَاءٌ مِمَّنْ يُحِبُّهُ أَوْ لَا يُحِبُّهُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إِلَى أَنَّ وَقْتَ النِّعْمَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١] ، وَأَمَّا وَقْتَ الْبَلِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ الْعَبْدُ إِلَى مَوْلَاهُ، وَأَنْ يَنْقَطِعَ عَمَّا سِوَاهُ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧] ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: ٨٦] ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ. (فَإِنَّهَا) ، أَيِ: الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةُ (لَنْ تَضُرَّهُ) أَيْ: حِينَئِذٍ ; لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْحَبِيبِ حَبِيبٌ، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَحْمُودُ فِي كُلِّ أَفْعَالِهِ، فَيَحْصُلُ حِينَئِذٍ الرِّضَا بِجَمِيعِ أَحْوَالِهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَعْنَى لَنْ تَضُرَّهُ: أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ فِعْلَهُ مِنَ التَّعَوُّذِ وَالتَّفْلِ وَغَيْرِهِ سَبَبًا لِسَلَامَتِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، كَمَا جَعَلَ الصَّدَقَةَ وِقَايَةً لِلْمَالِ، وَسَبَبًا لِدَفْعِ الْبَلَاءِ. وَقَوْلُهُ: لَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، أَيْ: حَتَّى لَا يُفَسِّرَهَا أَحَدٌ تَفْسِيرًا مَكْرُوهًا عَلَى ظَاهِرِ صُورَتِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا، فَوَقَعَتْ كَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَسَيَجِيءُ تَمَامُ الْبَحْثِ فِيهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْفَصْلِ الثَّانِي. قُلْتُ: وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَلَفْظُهُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَالرُّؤْيَا السُّوءُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى رُؤْيَا يَكْرَهُ مِنْهَا شَيْئًا فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنْ رَأَى رُؤْيَةً حَسَنَةً فَلْيُبْشِرْ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا إِلَّا مَنْ يُحِبُّ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute