بِالْيَمَنِ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ، وَقَدْ يُؤَنَّثُ وَيُمْنَعُ، وَاسْمٌ لِجَمِيعِ أَرْضِ الْبَحْرَيْنِ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ كَبِضْعِ تَمْرٍ إِلَى هَجَرَ، وَقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: عَجِبْتُ لِتَاجِرِ هَجَرَ كَأَنَّهُ أَرَادَ لِكَثْرَةِ وَبَائِهِ، أَوْ لِرُكُوبِ الْبَحْرِ قَالَ: وَقَرْيَةٌ كَانَتْ قُرْبَ الْمَدِينَةِ يُنْسَبُ إِلَيْهَا الْقِلَالُ (فَإِذَا هِيَ) أَيْ: تِلْكَ الْأَرْضُ (الْمَدِينَةُ) أَيْ: طَيِّبَةُ السَّكِينَةِ (يَثْرِبُ) . بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: يَثْرِبُ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَيْبَةَ وَطَابَةَ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا بِيَثْرِبَ لِكَرَاهَةِ لَفْظِ التَّثْرِيبِ، وَسَمَّاهَا لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا قَبْلَ النَّهْيِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ، وَقِيلَ خُوطِبَ بِهَا مَنْ يَعْرِفُهَا بِهِ، وَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِهَا الشَّرْعِيِّ. قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَطْفُ الْبَيَانِ فَتَدَبَّرْ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَاقِلًا عَنْ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِرِوَايَتِهِ، عَنِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا " «مَنْ سَمَّى الْمَدِينَةَ يَثْرِبَ، فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ هِيَ طَابَةُ هِيَ طَابَةُ» ". قُلْتُ: فِي تَكْرَارِهِ مُبَالَغَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى النَّهْيِ لِكَوْنِهِ مِنْ شِعَارِ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، حَيْثُ قَالُوا فِي الْأَحْزَابِ: " {يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: ١٣] ". وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَيْضًا قَدْ تَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ. (وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ: أَنِّي هَزَزْتُ) بِالزَّاءَيْنِ، أَيْ: حَرَّكْتُ (سَيْفًا، فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ) أَيْ: وَسَطُ السَّيْفِ (فَإِذَا هُوَ) أَيْ: تَأْوِيلُهُ (مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أَيْ: بَعْضُهُمْ وَهُمْ مِنْ أَوْسَاطِهِمْ أَوْ لِكَوْنِ الْمُؤْمِنِينَ أُمَّةً وَسَطًا. قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: فَإِذَا هُوَ أَصْلُهُ، فَإِذَا تَأْوِيلُهُ فَحُذِفَ الْمُضَافُ الَّذِي هُوَ التَّأْوِيلُ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، فَانْقَلَبَ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ مَرْفُوعًا (يَوْمَ أُحُدٍ) . ظَرْفُ أُصِيبَ (ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ) أَيِ: السَّيْفُ حَالَ كَوْنِهِ (أَحْسَنَ مَا كَانَ) ، بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ: مِمَّا كَانَ، وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، فَالتَّقْدِيرُ رَجَعَ إِلَى أَحْسَنِ أَكْوَانِهِ (فَإِذَا هُوَ) أَيْ: تَعْبِيرُهُ (مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ) أَيْ: فَتْحُ مَكَّةَ أَوْ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ ; لِأَنَّهَا مِفْتَاحُ الْفَتْحِ، وَهُوَ أَنْسَبُ لِعَطْفِ قَوْلِهِ: (وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ) . فَإِنَّهُ وَقَعَ حِينَ فَتْحِ مَكَّةَ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: ١ - ٢] .
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّيْفَ فَمُطَابِقٌ لِمَا فَسَّرُوا أَنَّ سَيْفَ الرَّجُلِ أَنْصَارُهُ الَّذِينَ يَصُولُ بِهِمْ، كَمَا يَصُولُ بِسَيْفِهِ، وَقَدْ يُفَسَّرُ فِي غَيْرِ هَذَا بِالْوَلَدِ أَوْ بِالْعَمِّ أَوِ الْأَخِ أَوِ الزَّوْجِ. قُلْتُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دَاخِلٌ تَحْتَ الْأَنْصَارِ. قَالَ: وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى الْوِلَايَةِ وَالْوَدِيعَةِ وَعَلَى لِسَانِ الرَّجُلِ وَحُجَّتِهِ. قُلْتُ: هَذِهِ كُلُّهَا مِنَ النُّصْرَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ. قَالَ: وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى سُلْطَانٍ جَائِرٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَسْبِ الْقَرَائِنِ. قُلْتُ: وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى سُلْطَانٍ عَادِلٍ ; لِأَنَّ السَّيْفَ ذُو جِهَتَيْنِ، وَلِذَا قَالَ الْغَزَّالِيُّ: الْعِلْمُ كَالسَّيْفِ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِ عَلَى الدِّينِ وَعَلَى الدُّنْيَا، كَمَا يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute