للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٤٦٢٥ - عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يَكْثُرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: " هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟ " فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ: " إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا. وَذَكَرَ مِثْلَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بِطُولِهِ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: " فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتِمَةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ. قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا، مَا هَؤُلَاءِ؟ " قَالَ: " قَالَا لِيَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَلَا أَحْسَنَ ". قَالَ: " قَالَا لِيَ: ارْقَ فِيهَا ". قَالَ: " فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ، وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَفْتَحْنَا، فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا، فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ؛ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ ". قَالَ: " قَالَا لَهُمُ: اذْهَبُوا، فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ ". قَالَ: " وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا، فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ". وَذَكَرَ فِي تَفْسِيرٍ هَذِهِ الزِّيَادَةَ: " وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ، وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ". قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ قَدْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا. تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٤٦٢٥ - (وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يَكْثُرُ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَفَاعِلُهُ (أَنْ يَقُولَ) : وَمَا مَوْصُولَةٌ أَيْ: كَانَ مِنَ الْفَرِيقِ الَّذِي يَكْثُرُ قَوْلُهُ، وَفَى نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الثَّاءِ فَفِيهِ ضَمِيرُ فَاعِلٍ رَاجِعٌ إِلَى مَا، وَمَفْعُولُهُ أَنْ يَقُولَ وَاللَّامُ فِي (لِأَصْحَابِهِ) : لِلْمُشَافَهَةِ وَالْمَقُولُ (هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا) ؟ أَيْ: شَيْئًا مِنْهَا، وَاقْتَصَرَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْإِعْرَابِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ: قَوْلُهُ مِمَّا يَكْثُرُ خَبَرُ كَانَ، وَمَا مِمَّا مَوْصُولَةٌ وَيَكْثُرُ صِلَتُهُ، وَالضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إِلَى مَا فَاعِلُ يَقُولُ، وَأَنْ يَقُولَ فَاعِلُ يَكْثُرُ، وَهَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ هُوَ الْمَقُولُ، أَيْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ زُمْرَةِ الَّذِينَ كَثُرَ مِنْهُمْ هَذَا الْقَوْلُ، فَوَضَعَ " مَا " مَوْضِعَ " مِنْ " تَعْظِيمًا وَتَفْخِيمًا لِجَانِبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: ٥] وَ (" {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ} [الزخرف: ١٣] ") قُلْتُ: التَّعْظِيمُ وَالتَّفْخِيمُ ظَاهِرٌ بَاهِرٌ فِي الْآيَتَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِمَا فِيهَا مَعْنَى الصِّفَةِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ أَرْبَابِ الصَّنْعَةِ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ مَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى إِرَادَةِ التَّفْخِيمِ، فَخَارِجٌ عَنْ صُورَةِ التَّسْلِيمِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. (فَيَقُصُّ) : بِالرَّفْعِ، أَيْ: فَهُوَ يَقُصُّ (عَلَيْهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى يَقُولُ وَفَاعِلُهُ (مَنْ شَاءَ اللَّهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ مَا شَاءَ، أَيِ: الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ (أَنْ يَقُصَّ) ، أَيْ: عَلَيْهِ (وَإِنَّهُ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، أَيِ: الشَّأْنُ (قَالَ لَنَا) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ذَاتَ غُدْوَةٍ) أَيْ: صُبْحَ يَوْمٍ (إِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنُ (أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ) ، تَثْنِيَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ أَتَى، أَيْ: شَخْصَانِ أَوْ مَلَكَانِ جَاءَيَانِي (وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي) أَيْ: أَثَارَانِي وَأَذْهَبَانِي، وَأَمَّا مَا قِيلَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَيْقَظَانِي مِنَ الْمَنَامِ فَلَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ (وَإِنَّهُمَا قَالَا لِيَ: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا) . قَالَ الطِّيبِيُّ: مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِنَّهُمَا قَالَا أَيْ: حَصَلَ مِنْهُمَا الْقَوْلُ وَمِنِّي الِانْطِلَاقُ، وَذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ الْمُؤَكِّدَةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ تَحْقِيقًا لِمَا رَآهُ، وَتَقْرِيرًا بِقَوْلِهِ " «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» ".

<<  <  ج: ص:  >  >>