للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(وَذَكَرَ) أَيْ: سَمُرَةُ بَقِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ (مِثْلَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ) أَيْ: عَنْهُ (فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ بِطُولِهِ) ، أَيْ بِطُولِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (وَفِيهِ) : - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ: فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ هَذَا (زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ) أَيِ: الزِّيَادَةُ (قَوْلُهُ) أَيْ: قَوْلُهُ (فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتِمَةٍ) ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، مِنَ الْعَتَمَةِ شِدَّةِ الظَّلَامِ، فَوَصَفَهَا بِشِدَّةِ الْخُضْرَةِ، وَلِبَعْضِهِمْ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ؛ كَذَا حَقَّقَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: طَوِيلَةُ النَّبَاتِ، يُقَالُ: اعْتَمَ النَّبْتُ إِذَا طَالَ، قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي النِّهَايَةِ أَعْتَمَ يَعْتِمُ دَخَلَ فِي عَتَمَةِ اللَّيْلَةِ، وَهِيَ ظُلْمَتُهُ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا يَدُورُ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ (فِيهَا) أَيْ: فِي تِلْكَ الرَّوْضَةِ (مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ) ، بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ: زَهْرُهُ، وَالْمُرَادُ بِالرَّبِيعِ الْفَصْلُ الْمَشْهُورُ الَّذِي بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ) أَيْ: فِي وَسَطِهَا وَالظَّهْرُ مُقْحَمٌ، وَكَأَنَّهُ أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَحَقُّقِ الْوَسَطِ (رَجُلٌ طَوِيلٌ) ، أَيْ ذُو طُولٍ عَظِيمٍ (لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا) : نَصَبَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ (فِي السَّمَاءِ) ، أَيْ: فِي جِهَتِهَا وَهُوَ تَأْكِيدٌ وَإِلَّا فَالطُّولُ مُقَابِلٌ لِلْعَرْضِ (وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ) : بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ (مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ) : الظَّاهِرُ أَنَّ " مِنْ " زَائِدَةٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ مِنْ تَجْوِيزِ زِيَادَةِ مِنْ فِي الْإِثْبَاتِ (قَطُّ) . بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الطَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ. وَفِي الْقَامُوسِ: مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ، وَيُضَمُّ وَيُخَفَّفَانِ وَيَخْتَصُّ بِالنَّفْيِ مَاضِيًا، وَفِي مَوَاضِعَ مِنَ الْبُخَارِيِّ: جَاءَ بَعْدَ الْمُثْبَتِ مِنْهَا فِي الْكُسُوفِ أَطْوَلُ صَلَاةً صَلَّيْتُهَا قَطُّ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: تَوَضَّأَ ثَلَاثًا قَطُّ، وَأَثْبَتَهَا ابْنُ مَالِكٍ فِي الشَّوَاهِدِ لُغَةً قَالَ: وَهَى مِمَّا خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النُّحَاةِ.

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَصْلُ التَّرْكِيبِ وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ وِلْدَانٌ مَا رَأَيْتُ وِلْدَانًا قَطُّ أَكْثَرَ مِنْهُمْ يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ: لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَلَمَّا كَانَ التَّرْكِيبُ مُتَضَمِّنًا لِمَعْنَى النَّفْيِ جَازَ زِيَادَةُ مِنْ وَقَطُّ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْمَاضِي الْمَنْفِيِّ، وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ حَارِثَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ» ". وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ السَّفَرِ. قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا} [البقرة: ٢٤٩] عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ هَذَا مِنْ مَيْلِهِمْ مَعَ الْمَعْنَى وَالْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّفْظِ جَانِبًا، وَهُوَ بَابٌ جَلِيلٌ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ. قُلْتُ: وَهُوَ مَشْرَبُ الصُّوفِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ الْكَلَامَ فِي إِعْرَابِ الْمَبَانِي يَشْغَلُ عَنْ إِعْرَابِ الْمَعَانِي، وَقَدْ قَالَ الْكَافِيَجِيُّ: إِنَّ أَصْلَ النَّحْوِ ثَلَاثُ قَوَاعِدَ، وَالْبَاقِي مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ زِيَادَةٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ عِلَلَ النَّحْوِ اعْتِبَارَاتٌ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا مُوجِبَاتٌ، ثُمَّ قَالَ الْكَشَّافُ: فَلَمَّا كَانَ مَعْنَى فَشَرِبُوا مِنْهُ فِي مَعْنَى فَلَمْ يُطِيعُوهُ حُمِلَ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَلَمْ يُطِيعُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ. (قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا) ، أَيِ: الرَّجُلُ الطَّوِيلُ (مَا هَؤُلَاءِ) ؟ أَيِ: الْوِلْدَانُ وَمَا بِمَعْنَى " مَنْ " أَوْ أُرِيدَ بِهَا الصِّفَةُ أَيْ: مَا صِفَةُ هَذَا وَصِفَةُ هَؤُلَاءِ؟ وَأَغْرَبَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ حَقِّ الظَّاهِرِ أَنَّ يُقَالَ مَنْ هَذَا؟ فَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَأَى حَالَهُ مِنَ الطُّولِ الْمُفْرِطِ كَأَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ هُوَ أَبَشَرٌ أَمْ مَلَكٌ أَمْ جِنِّيٌّ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ اهـ. وَغَرَابَتُهُ لَا تَخْفَى إِذْ مَعَ إِطْلَاقِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ جَمَادًا أَوْ نَبَاتًا أَوْ بَهِيمَةً، وَكَوْنُهُ مَلَكًا أَمْ جِنِّيًّا لَا يَسْتَعْدِي " مَا "، بَلْ يَقْتَضِي " مَنْ " أَيْضًا (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَا لِيَ: انْطَلِقِ انْطَلِقْ) ، وَلَعَلَّ فِي تَكْرَارِ الْأَمْرِ إِشْعَارٌ بِقُرْبِ الْمَزَارِ (فَانْطَلَقْنَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا) ، أَيْ: فِي الْكَمِّيَّةِ (وَلَا أَحْسَنَ) أَيْ: مِنْهَا فِي الْكَيْفِيَّةِ (قَالَ: قَالَا لِيَ: ارْقَ) : بِفَتْحِ الْقَافِ، أَيِ: اصْعَدْ (فِيهَا. قَالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ، وَلَبِنِ فِضَّةٍ)

<<  <  ج: ص:  >  >>