للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كِتَابُ الْآدَابِ

(١) بَابُ السَّلَامِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٤٦٢٨ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَذَهَبَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " قَالَ: فَزَادُوهُ " وَرَحْمَةُ اللَّهِ ". قَالَ: " فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الْآنَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

كِتَابُ الْآدَابِ

الْأَدَبُ: اسْتِعْمَالُ مَا يُحْمَدُ قَوْلًا وَفِعْلًا وَقِيلَ الْأَخْذُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ، وَقِيلَ: الْوُقُوفُ مَعَ الْحَسَنَاتِ وَالْإِعْرَاضُ عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَقِيلَ: التَّعْظِيمُ لِمَنْ فَوْقَكَ وَالرِّفْقُ بِمَنْ دُونَكَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَأْدُبَةِ وَهِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى طَعَامٍ؛ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُدْعَى إِلَيْهِ.

(١) بَابُ السَّلَامِ

أَيِ: ابْتِدَاءً وَجَوَابًا، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَمِنَ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْوَاجِبَ ثَوَابُهُ أَكْمَلُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّوَاضُعِ مَعَ كَوْنِهِ سَبَبًا لِأَدَاءِ الْفَرْضِ، وَنَظِيرُهُ النَّظِرَةُ عَنِ الْمُعْسِرِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ وَالْإِبْرَاءُ أَفْضَلُ مِنْهَا، مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: " «السَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ إِذَا مَرَّ بِقَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ بِتَذَكُّرِهِ إِيَّاهُمُ السَّلَامَ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ» " رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٤٦٢٨ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» ) أَيْ: عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ أُهْبِطَ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ صُورَتَهُ كَانَتْ فِي الْجَنَّةِ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلَّهِ، وَالْمُرَادُ بِالصُّورَةِ الصِّفَةُ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَإِنْ كَانَتْ صِفَاتُهُ تَعَالَى لَا يُشْبِهُهَا شَيْءٌ، وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْعَبْدِ الْمَحْذُوفِ مِنَ السِّيَاقِ، وَإِنَّ سَبَبَ الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ وَجْهَ غُلَامٍ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْبُخَارِيِّ لِلسُّيُوطِيِّ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْهَاءُ مَرْجِعُهَا إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَالْمَعْنَى: أَنَّ ذُرِّيَّةَ آدَمَ خُلِقُوا أَطْوَارًا فِي مَبْدَأِ الْخَلْقِ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ صَارُوا صُوَرًا أَجِنَّةً إِلَى أَنْ تَتِمَّ مُدَّةُ الْحَمْلِ، فَيُولَدُونَ أَطْفَالًا وَيُنْشَئُونَ صِغَارًا إِلَى أَنْ يَكْبَرُوا، فَيَتِمُّ طُولُ أَجْسَادِهِمْ، يَقُولُ: إِنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ خَلْقُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَكِنَّهُ أَوَّلَ مَا تَنَاوَلَتْهُ الْخِلْقَةُ وُجِدَ خَلْقًا تَامًّا. (طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا) .

وَقَالَ الشَّيْخُ التُّورِبِشْتِيُّ: هَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ فِي مَوْضِعِهِ، فَأَمَّا قِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ لِمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ: خُلِقَ آدَمُ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَلِمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَضْرِبُ وَجْهَ غُلَامٍ، فَقَالَ: " لَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» " فَالْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ هَذَا الْمُؤَوِّلُ لَا يُلَائِمُ هَذَا الْقَوْلَ. وَأَهْلُ الْحَقِّ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى طَبَقَتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا: الْمُنَزَّهُونَ عَنِ التَّأْوِيلِ مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ، وَعَدَمِ الرُّكُونِ إِلَى مُسَمَّيَاتِ الْجِنْسِ وَإِحَالَةِ الْمَعْنَى فِيهِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَهَذَا أَسْلَمُ الطَّرِيقَيْنِ. وَالطَّبَقَةُ الْأُخْرَى: يَرَوْنَ الْإِضَافَةَ فِيهَا إِضَافَةَ تَكْرِيمٍ وَتَشْرِيفٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، خَلَقَ آدَمَ أَبَا الْبَشَرِ عَلَى صُورَةٍ لَمْ يُشَاكِلْهَا شَيْءٌ وَالصُّوَرُ فِي الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، وَكَثْرَةِ مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْجَلِيلَةِ، فَاسْتَحَقَّتِ الصُّورَةُ الْبَشَرِيَّةُ أَنْ تُكَرَّمَ وَلَا تُهَانَ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا وَتَكْرِيمًا لِمَا كَرَّمَهُ اهـ. وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبَهَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤] وَأَغْرَبَ الطِّيبِيُّ فِي تَعْقِيبِهِ عَلَيْهِ، وَفِي قَوْلِهِ: إِنَّ تَأْوِيلَ أَبِي سُلَيْمَانَ سَدِيدٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَفِي ذِكْرِ مَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَلَا مَنْفَعَةَ لَدَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>