(فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ) أَيِ: الْجَمَاعَةِ (وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ) : أُفْرِدَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ أَوْ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ " نَفَرٌ " أَوْ جَمْعُ جَالِسٍ، أَوْ تَقْدِيرُهُ ذَوُو جُلُوسٍ، أَوْ مِنْ قَبِيلِ رَجُلٍ عَدْلٍ مُبَالَغَةً (فَاسْتَمِعْ) أَيْ: فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ فَاسْتَمِعْ (مَا يُحَيُّونَكَ) : بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ، أَيِ: الَّذِي يُحَيُّونَكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ بِالْجِيمِ وَالتَّحْتِيَّةِ وَالْمُوَحَّدَةِ فَتَصْحِيفٌ وَتَحْرِيفٌ وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا) أَيْ: تَحِيَّتُهُمْ إِيَّاكَ (تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ) أَيْ: لِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ وَعَلَيْهِمْ (فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَزَادُوهُ) أَيْ: آدَمَ فِي رَدِّ جَوَابِهِ عَلَى أَصْلِ سَلَامِهِ بِقَوْلِهِمْ (وَرَحْمَةُ اللَّهِ) : قِيلَ: يَدُلُّ هَذَا عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ. قُلْتُ: بَلِ الزِّيَادَةُ هِيَ الْأَفْضَلُ، كَمَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْآيَةِ أَيْضًا، نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ السَّلَامِ فِي الْجَوَابِ، بَلْ عَلَى نَدْبِهِ ; لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ التَّعْلِيمِ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ بِقَوْلِهِ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَفْضَلُ سَوَاءٌ زَادَ أَمْ لَا. وَلَعَلَّ الْمَلَائِكَةَ أَيْضًا أَرَادُوا إِنْشَاءَ السَّلَامِ عَلَى آدَمَ، كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْجَوَابِ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ السَّلَامِ، لَا أَنْ يَقَعَا مَعًا، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَاءُ التَّعْقِيبِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنْهَا غَافِلُونَ، فَلَوِ الْتَقَى رَجُلَانِ وَسَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً يَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْجَوَابُ.
(قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَكُلُّ) : كَذَا فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَجَمِيعِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ بِالْفَاءِ، وَهُوَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ جَمِيعَ (مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) أَيْ: مِنْ أَوْلَادِهِ (عَلَى صُورَةِ آدَمَ) أَيْ: يَدْخُلُ عَلَى صُورَتِهِ، أَوْ فَهُوَ عَلَى صُورَتِهِ، وَهِيَ تَحْتَمِلُ النَّوْعِيَّةَ وَالشَّخْصِيَّةَ (وَطُولُهُ) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ طُولَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَيْضًا (سِتُّونَ ذِرَاعًا) : بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَرْجِعُ إِلَى أَصْلِهِ، وَفِي الْجَامِعِ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فِي طُولِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا (فَلَمْ يَزَلْ) : هَذِهِ الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ عَلَى قَوْلِهِ: طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ مُتَضَمِّنًا لِجَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ آدَمُ طُولَهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَذُرِّيَّتُهُ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَيْضًا، وَطُولُهُمْ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَمَا بَالُهُمْ نَقَصَ طُولُهُمْ عَنْ طُولِ أَبِيهِمْ عَلَى مَا نُشَاهِدُ فِي الدُّنْيَا، أَهُوَ نُقْصَانٌ تَدْرِيجِيٌّ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَلَمْ يَزَلِ (الْخَلْقُ) أَيْ: غَالِبُهُمْ مِنْ أَوْلَادِ بَنِي آدَمَ (يَنْقُصُ) أَيْ: طُولُهُمْ، وَأَمَّا قَوْلُ الطِّيبِيُّ: وَجَمَالُهُمْ فَمَا أَظُنُّهُ صَحِيحًا مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَا رَمْزًا وَلَا صَرِيحًا (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ آدَمَ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا. (حَتَّى الْآنَ) : بِالنَّصْبِ ظَرْفُ يَنْقُصُ، أَيْ: حَتَّى وَصَلَ النَّقْصُ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ، الظَّاهِرُ أَنَّ النُّقْصَانَ انْتَهَى إِلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَإِلَّا فَلَمْ يُحْفَظْ تَفَاوُتٌ فِي طُولِ الْقَامَةِ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى مُدَّتِهَا الْآنَ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute