للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٤٦٦٢ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمَ! اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى مَلَأٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ، فَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: عَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ. فَقَالَ لَهُ اللَّهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ. فَقَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ، ثُمَّ بَسَطَهَا، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ! مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ، فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَأُهُمْ - أَوْ مِنْ أَضْوَئِهِمْ - قَالَ: يَا رَبِّ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ وَقَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: يَا رَبِّ زِدْ فِي عُمْرِهِ. قَالَ: ذَلِكَ الَّذِي كَتَبْتُ لَهُ. قَالَ: أَيْ رَبِّ! فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ. [قَالَ: ثُمَّ سَكَنَ الْجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا] ، وَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ، فَأَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: قَدْ عَجَّلْتَ، قَدْ كَتَبَ لِي أَلْفَ سَنَةٍ. قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكَ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً، فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ " قَالَ: " فَمِنْ يَوْمَئِذٍ أُمِرَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ــ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ

٤٦٦٢ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ» ) : بِفَتْحِ الطَّاءِ وَيُكْسَرُ (فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ) أَيْ: فَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ (فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ) ، أَيْ: بِتَيْسِيرِهِ وَتَوْفِيقِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ أَوْ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَتَخْصِيصُ الْحَمْدِ بِالذِّكْرِ إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ قُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ وَنِعْمَتِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ ; لِأَنَّ الْحَمْدَ هُوَ الثَّنَاءُ عَلَى الْجَمِيلِ مِنَ الْفَضْلِ وَالْإِفْضَالِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى أَبْدَعُهُ إِبْدَاعًا جَمِيلًا وَأَنْشَأَهُ خَلْقًا سَوِيًّا صَحِيحًا فَعَطَسَ، فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِصِحَّةِ الْمِزَاجِ، فَوَجَبَ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا ارْتِيَابَ أَنَّ وُقُوفَهُ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِفْضَالِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ. قُلْتُ: وَمِنْ جُمْلَةِ التَّوْفِيقِ وَالتَّيْسِيرِ حُكْمُهُ وَأَمْرُهُ وَالْكُلُّ بِقَضَائِهِ وَتَقْدِيرِهِ. قَالَ: وَفِي فَاءِ التَّعْقِيبِ إِشَارَةٌ إِلَى ذَلِكَ. قُلْتُ: وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى كُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ هُنَالِكَ.

(فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمُ!) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُتَمِّمَةً وَمُقَدِّمَةً، لَكِنَّ الثَّانِي أَظْهَرُ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ الْمُسْتَطَابَ بَعْدَ سُجُودِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: ٢٩] وَالْمَعْنَى: يَا آدَمُ. (اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ) : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ جَمْعٌ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، أَوِ الْمُوَكَّلِينَ عَلَى الْحَسَنَاتِ مِنْ أَرْبَابِ الْيَمِينِ، وَقَوْلُهُ: (إِلَى مَلَأٍ مِنْهُمْ) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فَيَكُونُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا، فَيَكُونُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ إِلَى الْحَالِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْبَدَلِ، يَعْنِي: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أُولَئِكَ مُشِيرًا بِهِ إِلَى مَلَأٍ مِنْهُمْ (جُلُوسٍ) : بِالْجَرِّ صِفَةُ مَلَأٍ، أَيْ: جَالِسِينَ أَوْ ذَوِي جُلُوسٍ (فَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) .

قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا وَفَّقَهُ تَعَالَى لِقِيَامِ الشُّكْرِ عَلَى نِعَمِهِ السَّابِغَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى قُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ عَلَّمَهُ كَيْفِيَّةَ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الْخَلْقِ حَتَّى يَفُوزَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ مَعَ الْخَلْقِ بَعْدَ تَعْظِيمِ الْحَقِّ، وَأَمَّا تَخْصِيصُ السَّلَامِ بِالذِّكْرِ، فَإِنَّهُ فَتْحُ بَابِ الْمَوَدَّاتِ، وَتَأْلِيفُ قُلُوبِ الْإِخْوَانِ الْمُؤَدِّي إِلَى اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ. (فَقَالَ) أَيْ: فَذَهَبَ آدَمُ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَحْذُوفَةٌ لِلْعِلْمِ بِهَا (فَقَالُوا: عَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ) ، أَيْ: إِلَى مَكَانِ كَلَّمَهُ رَبُّهُ فِيهِ تَبَرُّكًا بِهِ وَتَيَمُّنًا بِمَقَامِهِ، وَلِمَا فِي الْعَادَةِ أَنْ يَرْجِعَ الْمَأْمُورُ إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ الْآمِرُ وَيَنْتَظِرَ بَيَانَ حِكْمَةِ الْآمِرِ (فَقَالَ) : أَيِ: الرَّبُّ سُبْحَانَهُ (هَذِهِ) أَيِ: الْكَلِمَاتُ الْمَذْكُورَةُ (تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ) : فِيهِ تَغْلِيبٌ أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>