للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٥١ - وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «يَا رُوَيْفِعُ! لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ، أَوْ عَظْمٍ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِيءٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

٣٥١ - (وَعَنْ رُوَيْفِعِ) : مُصَغَّرُ رَافِعٍ (بْنِ ثَابِتٍ) : قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَنْصَارِيٌّ عِدَادُهُ فِي الْمِصْرِيِّينَ وَأَمَّرَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى طَرَابُلُسَ الْمَغْرِبِ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ. وَمَاتَ بِبُرْقَةَ وَقِيلَ بِالشَّامِ. رَوَى عَنْهُ حَنَشُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُ (قَالَ: قَالَ لِي) : أَيْ: خَاصَّةً (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ) : السِّينُ لِلتَّأْكِيدِ فِي الِاسْتِقْبَالِ (بِكَ) : الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ (بَعْدِي) : أَيْ: بَعْدَ مَوْتِي (فَأَخْبِرِ النَّاسَ) : الْفَاءُ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا طَالَتْ فَأَخْبِرْ، وَالْمَعْنَى لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَمْتَدُّ حَالَ كَوْنِهَا مُلْتَصِقَةً بِكَ حَتَّى تَرَى النَّاسَ قَدِ ارْتَكَبُوا أُمُورًا مِنَ الْمَعَاصِي يَتَجَاهَرُونَ بِهَا، فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ، وَفِيهِ إِظْهَارٌ لِلْمُعْجِزَةِ بِإِخْبَارٍ عَنِ الْغَيْبِ مِنْ تَغْيِيرٍ يَحْصُلُ فِي الدِّينِ بَعْدَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ مُهْتَمٌّ بِشَأْنِهَا (أَنَّ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ) : قَالَ الْأَكْثَرُونَ: هُوَ مُعَالَجَتُهَا حَتَّى تَنْعَقِدَ وَتَتَجَعَّدَ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الَّتِي هِيَ تَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ، وَقِيلَ: كَانُوا يَعْقِدُونَهَا فِي الْحَرْبِ زَمَنَ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِإِرْسَالِهَا لِمَا فِي عَقْدِهَا مِنَ التَّأْنِيثِ أَيِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ الْعَجَمِ أَيْضًا فَنُهُوا عَنْهُ لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ خَلْقِ اللَّهِ، وَقِيلَ: كَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّ مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ عَقَدَ فِي لِحْيَتِهِ عُقْدَةً صَغِيرَةً، وَمَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ عَقَدَ عُقْدَتَيْنِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ (أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا) : بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: خَيْطًا فِيهِ تَعْوِيذٌ أَوْ خَرَزَاتٌ لِدَفْعِ الْعَيْنِ أَوِ الْحِفْظِ عَنِ الْآفَاتِ كَانُوا يُعَلِّقُونَ عَلَى رِقَابِ الْوَلَدِ وَالْفَرَسِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا الْأَجْرَاسَ، وَالْمَعْنَى أَوْ تَقَلَّدَ الْفَرَسُ وَتَرَ الْقَوْسِ، قِيلَ النَّهْيُ عَنِ الْعَقْدِ وَالتَّقْلِيدِ لِمَا فِيهِمَا مِنَ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِهِمْ، وَقِيلَ: كَانَ عَادَةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِي رِقَابِ دَوَابِّهِمُ الْوَتَرَ وَيَزْعُمُونَ دَفْعَ الْعَيْنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ تَقْلِيدِ الْخَيْلِ أَوْتَارَ الْقِسِيِّ لِئَلَّا يُصِيبَهَا الْعَيْنُ مَخَافَةَ اخْتِنَاقِهَا بِهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ شِدَّةِ الرَّكْضِ وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِقَطْعِ الْأَوْتَارِ مِنْ أَعْنَاقِ الْخَيْلِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا لَا تَرُدُّ شَيْئًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي وَأَمَّا الِاخْتِنَاقُ بِهِ فَهُوَ سَبَبٌ عَادِيٌّ فَيُحْتَرَزُ عَنْهُ ( «أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ» ) : أَيْ: رَوْثُهَا (أَوْ عَظْمٍ) : مُطْلَقًا (فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِيءٌ) وَهَذَا مِنْ بَابِ الْوَعِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ الشَّدِيدِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: عَدَلَ إِلَيْهِ عَنْ " فَأَنَا " أَوْ " فَإِنِّي " اهْتِمَامًا بِشَأْنِ تِلْكَ الْأُمُورِ، وَتَأْكِيدًا أَوْ مُبَالَغَةً فِي النَّهْيِ عَنْهَا اهـ. وَفِيهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ إِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْجُمْلَةِ لَا مِنَ الْعُدُولِ عَنِ الضَّمِيرِ إِلَى الظَّاهِرِ، لِأَنَّهُ يَسْتَوِي فِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ زَيْدٍ فَإِنِّي بَرِيءٌ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ زَيْدًا بَرِيءٌ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الْعُدُولِ أَنْ لَا يَتَوَهَّمَ الْبَرَاءَةَ مِنَ الرَّاوِي الْمُخْبِرِ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْمُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ الْمُعَظَّمِ، وَالْوَصْفِ الْمُكَرَّمِ الَّذِي حَمِدَهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ مِنْهُ بَرِيءٌ فَيَكُونُ دَلَالَةً عَلَى غَايَةِ ذَمِّهِ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَبْرَأُ إِلَّا مِنْ مُذَمَّمٍ فَإِنَّهُ ضِدُّهُ (رَوَاهُ دَاوُدُ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>