٤٧٥٥ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَخْنَى الْأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، قَالَ: " «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إِلَّا اللَّهُ» ".
ــ
٤٧٥٥ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَخْنَى الْأَسْمَاءِ) : بِسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا نُونٌ أَيْ: أَقْبَحُهَا، وَرُوِيَ أَخْنَعُ أَيْ: أَذَلُّهَا وَأَوْضَعُهَا بِاعْتِبَارِ مُسَمَّاهُ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ الْيَوْمَ عِنْدَ عَامَّةِ النَّاسِ أَعْظَمَ الْأَسْمَاءِ وَأَكْرَمَهَا (رَجُلٌ) أَيِ: اسْمُ رَجُلٍ (يُسَمَّى) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّسْمِيَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ، وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِمَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَاضٍ مَعْلُومٌ مِنَ التَّسَمِّي مَصْدَرٌ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّسْمِيَةِ، وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي أَصْلٍ مُصَحَّحٍ مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ مِنَ التَّسَمِّي ثُمَّ قَوْلُهُ: (مَلِكَ الْأَمْلَاكِ) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَالْأَمْلَاكُ جَمْعُ مَلِكٍ كَالْمُلُوكِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ: هُوَ شَهَنْشَاهْ يَعْنِي: شَاهْ شَاهَانْ بِلِسَانِ الْعَجَمِ، وَقَدَّمَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ ثُمَّ حَذَفَ الْأَلِفَ وَفَتَحَ الْهَاءَ تَخْفِيفًا وَهُوَ بِالْعَرَبِيِّ سُلْطَانُ السَّلَاطِينِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ عُلَيْهِ السَّلَامُ (أَغْيَظُ رَجُلٍ) : اسْمُ تَفْضِيلٍ بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: أَكْثَرُ مَنْ يُغْضَبُ عَلَيْهِ وَيُعَاقَبُ، فَإِنَّ الْغَيْظَ غَضَبُ الْعَاجِزِ عَنِ الِانْتِقَامِ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ، فَيَكُونُ كِنَايَةً عَنْ شِدَّةِ كَرَاهَةِ هَذَا الِاسْمِ أَوْ مَجَازًا عَنْ عُقُوبَتِهِ لِلتَّسَمِّي بِالِاسْمِ الْآتِي، وَأُضِيفَ إِلَى مُفْرِدٍ بِمَعْنَى الْجَمْعِ أَيْ: أَشَدُّ أَصْحَابِ الْأَسْمَاءِ الْكَرِيهَةِ عُقُوبَةً (عَلَى اللَّهِ) : بِحَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: بِنَاءً عَلَى حُكْمِهِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ) أَيْ: حَالًا وَمَقَامًا (رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ) : وَهُوَ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ؛ حَيْثُ قَالَ أَيْ: يُسَمِّي نَفْسَهُ بِذَلِكَ فَيَرْضَى أَنَّ اسْمَهُ عَلَى ذَلِكَ (لَا مَلِكَ) أَيْ: لَا سُلْطَانَ (إِلَّا اللَّهُ) : وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ تَعْلِيلِ تَحْرِيمِ التَّسْمِيَةِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَلِكَ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ إِلَّا هُوَ، وَمِلْكِيَّةُ غَيْرِهِ مُسْتَعَارَةٌ، فَمَنْ سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ نَازَعَ اللَّهَ بِرِدَائِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظْمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِيهِمَا قَصَمْتُهُ، وَلَمَّا اسْتَنْكَفَ أَنْ يَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ جُعِلَ لَهُ الْخِزْيُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، وَهَذَا مُجْمَلُ الْكَلَامِ فِي مَقَامِ الْمَرَامِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلَفْظُهُ: " «أَخْنَعُ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَالِكَ إِلَّا اللَّهُ» " اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَمْلَاكَ جَمْعُ الْمَلِكِ بِالْكَسْرِ، فَيَكُونُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا مَذْمُومًا عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْرَأَ " مَلِكَ " " مَالِكَ "، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤] ، وَهُوَ مَرْسُومٌ بِحَذْفِ الْأَلِفِ اتِّفَاقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَا بُدَّ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَعَ أَنَّ حُكْمَهُ فِي الدُّنْيَا كَذَلِكَ لِلْإِشْعَارِ بِتَرْتِيبِ مَا هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْهُ مِنْ إِنْزَالِ الْهَوَانِ، وَحُلُولِ الْعِقَابِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لِمُسْلِمٍ: أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ: سَأَلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، أَبَا عَمْرٍو عَنْ أَخْنَعُ، فَقَالَ: أَوْضَعُ، وَالْمَعْنَى: أَشَدُّ ذُلًّا وَصِغَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: رَجُلٌ يُسَمَّى خَبَرُ أَخْنَعُ، وَلَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ لِيُطَابِقَ الْخَبَرُ الْمُبْتَدَأَ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فِي الْخَبَرِ، أَيِ: اسْمُ رَجُلٍ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يُرَادَ بِالِاسْمِ الْمُسَمَّى مَجَازًا، أَيْ: أَخْنَى الرِّجَالِ رَجُلٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: ١] ، وَفِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ أَنَّهُ إِذَا قَدَّسَ اسْمَهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِذَاتِهِ، فَكَأَنَّ ذَاتَهُ بِالتَّقْدِيسِ أَوْلَى، وَهُنَا إِذَا كَانَ الِاسْمُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالْهَوَانِ وَالصَّغَارِ، فَكَيْفَ بِالْمُسَمَّى، فَإِذَا كَانَ حُكْمُ الِاسْمِ ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِالْمُسَمَّى، وَهَذَا إِذَا كَانَ رَضِيَ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَدِّلْهُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَبْلَغُ مِنَ الْأَوَّلِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ: أَغْيَظُ رَجُلٍ. قَالَ الْقَاضِي أَيْ: أَكْبَرُ مَنْ يُغْضَبُ عَلَيْهِ غَضَبًا، اسْمُ تَفْضِيلٍ بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ كَأَلْوَمَ، وَأَضَافَهُ إِلَى الْمُفْرَدِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِيهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَعَلَى هُنَا لَيْسَتْ بِصِلَةٍ لِأَغْيَظَ كَمَا يُقَالُ: اغْتَاظَ عَلَى صَاحِبِهِ وَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَاهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَكِنْ بَيَانٌ كَأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ: أَغْيَظُ رَجُلٍ قِيلَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute