للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَى مَنْ؟ قِيلَ: عَلَى اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: ٢٣] ، فَإِنَّ لَكَ بَيَانٌ لِاسْمِ الصَّوْتِ. قُلْتُ: التَّقْدِيرُ مَا أَفَادَ التَّغْيِيرَ لِيَكُونَ دَفْعُ الْفَسَادِ، بَلْ وَقَعَ فِي عَيْنِ مَا أَرَادَ مِنْهُ الشُّرَّاحُ، ثُمَّ لِي نَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْآيَةِ، فَإِنَّ الْغَيْظَ تَعْدِيَتُهُ بِعَلَى فِي أَصْلِ اللُّغَةِ بِخِلَافِ هَيْتَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ أَصْلًا، بَلْ مَعْنَاهُ أَقْبِلْ وَبَادِرْ أَوْ هَيَّأْتُ، وَالْكَلِمَةُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اسْمُ فِعْلٍ بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْقُرَّاءِ كَأَيْنَ، وَاللَّامُ لِلتَّبْيِينِ كَالَّتِي فِي سُقْيًا لَكَ، فَالْأَوْلَى مَا أَوَّلْنَاهُ أَوَّلًا. وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا مَجَازُ الْكَلَامِ مَعْدُولٌ عَنْ ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ الْغَيْظَ صِفَةٌ تَعْتَرِي الْمَخْلُوقَ عِنْدَ احْتِدَادِهِ يَتَحَرَّكُ لَهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عُقُوبَتِهِ لِلْمُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ أَيْ: إِنَّهُ أَشَدُّ أَصْحَابِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ عُقُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّ الْغَيْظَ وَالْغَضَبَ مِنَ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ لَهَا بِدَايَاتٌ وَغَايَاتٌ، فَإِذَا وُصِفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَى الْغَايَاتِ مِنَ الِانْتِقَامِ بِإِنْزَالِ الْهَوَانِ وَحُلُولِ الْعِقَابِ، لَا عَلَى بِدَايَاتِهَا مِنَ التَّغْيِيرِ النَّفْسَانِيِّ، فَعَلَى هَذَا فِي عَلَى مَعْنَى الْوُجُوبِ أَيْ: وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْوَعِيدِ أَنْ يُغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَيُنَكِّلَ بِهِ، وَيُعَذِّبَهُ أَشَدَّ الْعَذَابِ. قُلْتُ وَهَذَا غَايَةُ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ زَادَ فِي مَعْنَى عَلَى أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ وَقْعُ مَا أَخْبَرَ بِهِ إِذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّحَتُّمِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨] "، فَحِينَئِذٍ يُقَالُ: إِنَّهُ يَجِبُ وُقُوعُ عَذَابِ الْكُفَّارِ، وَإِلَّا يَقَعُ الْخُلْفُ فِي إِخْبَارِهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، فَهَذَا وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ مَا عَدَا الشِّرْكَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: وَاجِبٌ عَلَيْهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْوَعِيدِ أَنْ يُعَذِّبَهُ فَتَدَبَّرْ وَتَأَمَّلْ، لِئَلَّا تَقَعَ فِي الْخَلَلِ وَالْخَطَلِ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي رِسَالَتِي الْمُسَمَّاةِ بِالْقَوْلِ السَّدِيدِ فِي خُلْفِ الْوَعِيدِ، هَذَا وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: مَلِكَ الْأَمْلَاكِ، زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ: «لَا مَالِكَ إِلَّا اللَّهُ» . قَالَ سُفْيَانُ: مِثْلُ شَاهَنْشَاهْ.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ شَاهْ شَاهْ. قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَصْوَبَ شَاهْ شَاهَانْ. قُلْتُ: كَذَلِكَ حَتَّى يَصِحَّ الْإِضَافَةُ أَوْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ، فَيُقَالُ: شَاهْ كُلْ شَاهْ. قَالَ الْقَاضِي: فَلَا يُنْكَرُ مَجِيءُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَجَمِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ. قُلْتُ: هَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي شَاهَنْشَاهْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَيَتَغَيَّرُ الِاعْتِبَارُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: شَاهَانْرَاشَاهْ. قُلْتُ: وَالتَّحْقِيقُ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةِ الرَّاءِ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ شَاهْ: مُلُوكٌ، وَشَاهَانِ: الْمُلُوكُ، وَكَذَا مَا يَقُولُونَ: قَاضِي الْقُضَاةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَمِمَّا يُلْحَقُ بِهِ مَلِكُ شَاهْ، وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ بِاسْمِ مَلِكِ الْأَمْلَاكِ. أَيْ: تَسَمَّى بَاسِمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَقَوْلِهِ: الرَّحْمَنُ الْجَبَّارُ الْعَزِيزُ. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: وَالَّذِي قَالَهُ سُفْيَانُ أَشْبَهُ، وَكُلٌّ لَهُ وَجْهٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>