للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ رَخَّصَ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي اسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ: قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ. قُلْتُ: فِيهِ جَوَابَانِ. أَحَدُهُمَا: قَالَ دَفْعًا لِمَظِنَّةِ التُّهْمَةِ فِي قَوْلِهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ تَعْظِيمًا لَهُ وَرِيَاءً لِسُمْعَتِهِ، وَثَانِيهُمَا: أَنَّهُ رَأْسُ الْمُوَحِّدِينَ وَمَشِيئَتُهُ مَغْمُورَةٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُضْمَحِلَّةٌ فِيهَا. أَقُولُ: أَصْلُ السُّؤَالِ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاخِلٌ فِي عُمُومِ فُلَانٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ، فَجَوَابُهُ الْأَوَّلُ خَطَأٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ، لَكَانَ شِرْكًا جَلِيًّا لَا مَظِنَّةً لِلتُّهْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَجَوَابُهُ الثَّانِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يُفِيدُ جَوَازَ الْإِتْيَانِ بِالْوَاوِ، مَعَ أَنَّ مَشِيئَةَ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا مُضْمَحِلَّةٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى سُبْحَانَهُ، وَأَيْضًا مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ لِمُجَرَّدِ الرُّخْصَةِ، وَلَوْ قَالَ هُنَا قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ، لَكَانَ أَمْرَ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الْمَشِيئَةَ الْمُسْنَدَةَ إِلَى فُلَانٍ إِنَّمَا هِيَ مَشِيئَةٌ جُزْئِيَّةٌ لَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَشِيئَةِ الْكُلِّيَّةِ، كَمَا رَمَزْنَا إِلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ مِنَ الْكَلَامِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالْمَرَامِ. (رَوَاهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنَ الرِّوَايَةِ الْمَقْطُوعَةِ الْإِسْنَادِ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) : فَقَوْلُهُ فِي الْمَصَابِيحِ: وَفِي رِوَايَةٍ، مَعْنَاهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِغَيْرِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ خِلَافًا لِمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ الْإِطْلَاقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>