٤٧٨٠ - وَعَنْهُ، «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
٤٧٨٠ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ حُذَيْفَةَ وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي عَنْ بُرَيْدَةَ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ صِحَّتِهِ. (عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ» ) : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُؤْمِنِ: سَيِّدٌ، وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ مَرْفُوعًا " «السَّيِّدُ اللَّهُ» "؛ لِأَنَّ فِي الْحَقِيقَةِ لَا سِيَادَةَ إِلَّا لَهُ وَمَا سِوَاهُ مَمْلُوكُهُ. (فَإِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنَ أَوِ الْمُنَافِقَ (إِنْ يَكُ سَيِّدًا) أَيْ: سَيِّدَ قَوْمٍ أَوْ صَاحِبَ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ وَأَمْوَالٍ (أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ) أَيْ: أَغْضَبْتُمُوهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَعْظِيمًا لَهُ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ، فَكَيْفَ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَيِّدًا بِأَحَدٍ مِنَ الْمَعَانِي، فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَكُونُ كَذِبًا وَنِفَاقًا وِفَاقًا. وَفِي النِّهَايَةِ: فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ سَيِّدَكُمْ وَهُوَ مُنَافِقٌ، فَحَالُكُمْ دُونَ حَالِهِ وَاللَّهُ لَا يَرْضَى لَكُمْ ذَلِكَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: إِنْ يَكُ سَيِّدًا لَكُمْ فَتَجِبُ عَلَيْكُمْ طَاعَتُهُ، فَإِذَا أَطَعْتُمُوهُ فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ، أَوْ لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ، فَإِنَّكُمْ إِنْ قُلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ، فَوَضَعَ الْكَوْنَ مَوْضِعَ الْقَوْلِ تَحْقِيقًا لَهُ. قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَ النَّاسِ لِغَيْرِ الْمِلَّةِ كَالْحُكَمَاءِ وَالْأَطِبَّاءِ مَوْلَانَا دَاخِلٌ فِي هَذَا النَّهْيِ وَالْوَعِيدِ، بَلْ هُوَ أَشَدُّ؛ لِوُرُودِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَوْلَانَا فِي التَّنْزِيلِ دُونَ السَّيِّدِ. قُلْتُ: إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ تَعْظِيمُهُ، فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ، وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِهِ أَحَدُ مَعَانِي الْمَوْلَى مِمَّا سَبَقَ فَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهُ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَالْمَخْلَصُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْرِيَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي تَجْوِيزِ إِطْلَاقِ الْمَوْلَى عَلَى غَيْرِهِ سُبْحَانَهُ {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [الأحزاب: ٥] ، أَيْ: فِي الْمُسْلِمِينَ وَمَوَالِيكُمْ فِي غَيْرِهِمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَوْلَى وَالسَّيِّدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَجَوَازُ إِطْلَاقِهِ وَعَدَمِهِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنَ الشَّارِعِ، وَلَمْ يَرِدْ نَهْيٌ عَنْ إِطْلَاقِ الْمَوْلَى عَلَى غَيْرِهِ سُبْحَانَهُ، فَيَجُوزُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، «وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنْ بُرَيْدَةَ بِلَفْظِ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلْمُنَافِقِ: يَا سَيِّدًا فَقَدْ أَغْضَبَ رَبَّهُ» ، وَلَعَلَّ هَذَا مَنْشَأُ وَهَمِ الْمُحَشِّي فِيمَا صَدَرَ عَنْهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute