للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالتَّدَبُّرِ لَهُ، حَتَّى يُخَيِّلَ إِلَيْهِ الْبَاطِلَ حَقًّا وَالْحَقَّ بَاطِلًا، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ جِنْسَ الْبَيَانِ، وَإِنْ كَانَ مَحْمُودًا، كَانَ فِيهِ مَا يُذَمُّ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَإِنَّ جِنْسَ الشِّعْرِ وَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا فَإِنَّ فِيهِ مَا يُحْمَدُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْحِكَمِ، وَهُوَ مَا فِيهِ مَوْعِظَةٌ وَثَنَاءٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَزُهْدٌ فِي الدُّنْيَا وَرَغْبَةٌ فِي الْآخِرَةِ.

قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيَانَ فِي أَصْلِهِ مَحْمُودٌ قَوْلُهُ تَعَالَى {الرَّحْمَنُ - عَلَّمَ الْقُرْآنَ - خَلَقَ الْإِنْسَانَ - عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: ١ - ٤] ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشِّعْرَ فِي أَصْلِهِ مَذْمُومٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ - أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ - وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: ٢٢٤ - ٢٢٦] وَقَدْ كَثُرَتِ الْأَحَادِيثُ فِي ذَمِّهِ، وَمِنْ ثَمَّ سَمُّوا الْأَدِلَّةَ الْكَاذِبَةَ شِعْرًا، وَقِيلَ: فِي الشِّعْرِ أَكْذَبُهُ أَحْسَنُهُ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِ الْكُفَّارِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ شَاعِرٌ يَعْنُونَ أَنَّهُ كَاذِبٌ؛ لِأَنَّ مَا يَأْتِي الشَّاعِرُ أَكْثَرُهُ كَذِبٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ إِلَيْهِ حَاجَةً كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِسْعَافُهُ بِهَا، فَاسْتَمَالَ قَلْبَهُ بِالْكَلَامِ، فَأَنْجَزَهَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ السِّحْرُ الْحَلَالُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَالْكَلَامُ فِيهِ تَشْبِيهٌ، وَحَقُّهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ كَالسِّحْرِ، فَقُلْتُ وَجُعِلَ الْخَبَرُ مُبْتَدَأً مُبَالَغَةً فِي جَعْلِ الْأَصْلِ فَرْعًا وَالْفَرْعِ أَصْلًا، وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ إِرَادَةِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَكَذَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: " «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا» ".

<<  <  ج: ص:  >  >>