للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِئَلَّا يَغْتَرَّ الْمَقُولُ لَهُ فَيَسْتَشْعِرَ الْكِبْرَ وَالْعُجْبَ، وَذَلِكَ جِنَايَةٌ عَلَيْهِ فَيَصِيرَ كَأَنَّهُ قَطَعَ عُنُقَهُ فَأَهْلَكَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ اسْتِعَارَةٌ مِنْ قَطْعِ الْعُنُقِ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْهَلَاكِ، لَكِنْ هَذَا الْهَلَاكُ فِي الدِّينِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الدُّنْيَا (ثَلَاثًا) أَيْ: قَالَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (مَنْ كَانَ مِنْكُمْ) : اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ الْمَدْحِ الْمَمْدُوحِ (مَادِحًا) أَيْ: لِأَحَدٍ (لَا مَحَالَةَ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ: أَلْبَتَّةَ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمِّهَا فَفِي الْقَامُوسِ: لَا مَحَالَةَ مِنْهُ بِالْفَتْحِ أَيْ: لَا بُدَّ وَالْمُحَالُ بِالضَّمِّ مِنَ الْكَلَامِ مَا عُدِلَ عَنْ وَجْهِهِ، وَفِي الصِّحَاحِ: لَا مَحَالَةَ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى لَا بُدَّ أَيْ: لَا فِرَاقَ وَبِالْفَتْحِ بِمَعْنَى لَا احْتِيَالَ (فَلْيَقُلْ: أَحْسَبُ فُلَانًا) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا أَيْ: أَظُنُّهُ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي رَجُلًا صَالِحًا مَثَلًا (وَاللَّهُ حَسِيبُهُ) أَيْ: مُحَاسِبُهُ وَمُجَازِيهِ عَلَى أَعْمَالِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ وَمُطَّلِعٌ عَلَى أَحْوَالِهِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ وَبَقِيَّةُ الْمَقُولِ (إِنْ كَانَ) : شَرْطٌ لِلْإِبَاحَةِ فِي الْقَوْلِ الْمَسْطُورِ أَيْ: فَلْيَقُلْ مَا ذُكِرَ إِنْ كَانَ الْقَائِلُ الْمَادِحُ (يُرَى) : بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ: يُظَنُّ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا أَيْ: يَعْلَمُ (أَنَّهُ) أَيِ: الْمَمْدُوحَ (كَذَلِكَ) أَيْ: مِثْلَ مَا مَدَحَهُ (وَلَا يُزَكِّي) أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ الْمَادِحَ لَا يُزَكِّي (عَلَى اللَّهِ) أَيْ: عَلَى حُكْمٍ مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ (أَحَدًا) : وَالْمَعْنَى: لَا يَقْطَعُ بِتَقْوَى أَحَدٍ وَلَا بِتَزْكِيَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْبٌ، وَقِيلَ عَدَّاهُ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْغَلَبَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ جَزَمَ عَلَى تَزْكِيَةِ أَحَدٍ عِنْدَ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ فِي مَعْرِفَتِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي حَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ. وَقَالَ الْأَشْرَفُ: وَاللَّهُ حَسِيبُهُ جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ: إِنْ كَانَ يُرَى مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَحْسَبُ فُلَانًا، وَقَوْلُهُ وَلَا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا مُنِعَ عَنِ الْجَزْمِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيَقُلِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ " لَا يُزَكِّي " جَاءَ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ، فَيَحْتَاجُ عَلَى هَذَا بِأَنْ يُقَالَ إِخْبَارٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ: وَلَا يَكُنْ مِنْكُمُ التَّزْكِيَةُ عَلَى اللَّهِ، وَقَدْ أَبْعَدَ بَعْضُهُمْ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُزَكِّي عُطِفَ عَلَى يُرَى وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَنْتَ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّهُ هُوَ الْخَطَأُ مِنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ لَا يَخْلُو كَلَامُ الطِّيبِيِّ مِنَ الْإِغْرَابِ أَيْضًا فِي الْإِعْرَابِ؛ حَيْثُ قَالَ: " إِنْ كَانَ يُرَى " الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ وَقَعَتْ حَالًا مِنْ فَاعِلٍ فَلْيَقُلْ: وَ " عَلَى " فِي " عَلَى اللَّهِ " فِيهِ مَعْنَى الْوُجُوبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>