للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٨٦٦ - «وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي. قَالَ: " أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ أَزْيَنُ لِأَمْرِكَ كُلِّهِ " قُلْتُ: زِدْنِي. قَالَ: " عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ ذِكْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ، وَنُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ ". قُلْتُ: زِدْنِي. قَالَ: " عَلَيْكَ بِطُولِ الصَّمْتِ، فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ " قُلْتُ: زِدْنِي. قَالَ إِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ، فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ " قُلْتُ: زِدْنِي. قَالَ: " قُلِ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا ". قُلْتُ: زِدْنِي. قَالَ: " لَا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ". قُلْتُ: زِدْنِي. قَالَ: " لِيَحْجُزْكَ عَنِ النَّاسِ مَا تَعْلَمُ مِنْ نَفْسِكَ» .

ــ

٤٨٦٦ - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ) أَيْ: أَبُو ذَرٍّ أَوْ رَاوِيَةٌ (الْحَدِيثَ بِطُولِهِ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ التَّالِي لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى هَذَا، مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُرَادَ لَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَدِيثَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِيهِ طُولٌ، لَكِنَّ فِي أَثْنَائِهِ وَأَوَاخِرِهِ عَلَى مَا سَنُورِدُهُ. (إِلَى أَنْ قَالَ) أَيْ: أَبُو ذَرٍّ (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ) : وَهُوَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: ١٣١] ، (فَإِنَّهُ) أَيْ: الِاتِّقَاءُ أَوْ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّقْوَى (أَزْيَنُ) أَيْ: غَايَةٌ مِنَ الزَّيْنِ وَنِهَايَةٌ مِنَ الْحُسْنِ (لِأَمْرِكَ) أَيْ: لِأُمُورِ دِينِكَ الِاعْتِقَادِيِّ وَالْقَوْلِيِّ وَالْعَمَلِيِّ، بَلْ وَلِأُمُورِ دُنْيَاكَ الَّتِي هِيَ مَعَاشُكَ الْمُقْتَضِيَةُ لِحُسْنِ مَعَادِكَ (كُلِّهِ) ; لِأَنَّ التَّقْوَى بِجَمِيعِ مَرَاتِبِهَا مِنْ تَرْكِ الشِّرْكِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ، وَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ، وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الشُّبُهَاتِ وَالتَّوَرُّعِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَالتَّنَزُّهِ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَالتَّخَلِّي عَنْ خُطُورِ مَا سِوَى اللَّهِ بِالْبَالِ مِنْ شِيَمِ أَرْبَابِ الْكَمَالِ فِي الْأَحْوَالِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: نَسَبَ الزِّينَةَ إِلَى التَّقْوَى، كَمَا نَسَبَ إِلَيْهِ تَعَالَى اللِّبَاسَ فِي قَوْلِهِ: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: ٢٦] ، بَعْدَ قَوْلِهِ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] ، فَكَمَا أَنَّ السَّمَاءَ مُزَيَّنَةٌ بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ، كَذَلِكَ قُلُوبُ الْعَارِفِينَ مُزَيَّنَةٌ بِالْمَعَارِفِ وَالتَّقْوَى. قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: ٣٢] . اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: ٣١] ، بَلْ قَبْلَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلَنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف: ٢٦] . (قُلْتُ: زِدْنِي) أَيْ: فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ (قَالَ: عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ) أَيْ: فَإِنَّهَا مَجْلَبَةٌ لِلتَّقْوَى وَمُوَرِّثَةٌ لِلدَّرَجَاتِ الْعُلَا (وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ، تَعْمِيمٌ وَتَتْمِيمٌ (فَإِنَّهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ لَكَ مِنَ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ (ذِكْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ، وَنُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ) ، وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، فَإِنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: " «فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ» ". وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرًا، فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَهُوَ الذِّكْرُ فَتُعْرِفُ مَرْتَبَةُ التِّلَاوَةِ بِالْأَوْلَى، عَلَى أَنَّ التِّلَاوَةَ مُنَاجَاةٌ مَعَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. (قُلْتُ: زِدْنِي) أَيْ: فِي الْوَصِيَّةِ بِمَا يُعِينُ عَلَى مَا ذَكَرْتَ (قَالَ) : وَفِي نُسْخَةٍ فَقَالَ (عَلَيْكَ بِطُولِ الصَّمْتِ) أَيْ: بِدَوَامِهِ فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ) أَيْ: لِرَئِيسِهِمْ أَوْ لِجِنْسِهِمْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي نُسْخَةٍ: لِلشَّيَاطِينِ (وَعَوْنٌ) أَيْ: مُعِينٌ (لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ) أَيِ: اسْتِقَامَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>