للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قُلْتُ: زِدْنِي. قَالَ: " إِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ، فَإِنَّهُ (أَيْ: إِكْثَارُهُ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ مِنْ كَثْرَةِ الضَّحِكِ أَوِ الضَّحِكُ الْكَثِيرُ (يُمِيتُ الْقَلْبَ) : وَفِي نُسْخَةٍ: الْقُلُوبَ، أَيْ: يُورِثُ قَسَاوَةَ الْقَلْبِ وَهِيَ مُفْضِيَةٌ إِلَى الْغَفْلَةِ، وَلَيْسَ مَوْتُ الْقَلْبِ إِلَّا الْغَفْلَةَ عَنِ الذِّكْرِ (وَيَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ) أَيْ: بَهَائِهِ وَحُسْنِهِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: ٢٩] . (قُلْتُ: زِدْنِي قَالَ: قُلِ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْحَقِّ عَلَى النَّفْسِ أَوْ عِنْدَ أَهْلِ الْبَاطِلِ الْمُتَلَهِّينَ بِالْحَلَوِيَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ (مُرًّا) أَيْ: صَعْبَ الْمَذَاقِ وَشَدِيدَ الْمَشَاقِّ وَأَنْشَدَ:

لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبْرَا

قَالَ الطِّيبِيُّ: شَبَّهَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي مَنْ يَأْبَاهُمَا بِالصَّبْرِ، فَإِنَّهُ مُرُّ الْمَذَاقِ لَكِنَّ عَاقِبَتَهُ مَحْمُودَةٌ. (قُلْتُ: زِدْنِي قَالَ: لَا تَخَفْ فِي اللَّهِ) : أَيْ فِي حَقِّهِ وَطَرِيقِ عِبَادَتِهِ (لَوْمَةَ لَائِمٍ) أَيْ: مَلَامَةَ أَحَدٍ، وَفِيهِ قَطْعُ تَعَلُّقِهِ عَنِ الْخَلْقِ بِالْكُلِّيَّةِ فِيمَا يَأْتِي وَيَذَرُ، وَثَبَاتُهُ عَلَى الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مَذَمَّةِ النَّاسِ وَمَدْحِهِمْ. قَالَ تَعَالَى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: ٨] ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: كُنْ صُلْبًا فِي دِينِكَ إِذَا شَرَعْتَ فِي إِنْكَارِ مُنْكَرٍ أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، امْضِ فِيهِ كَالْمَسَامِيرِ الْمُحْمَاةِ لَا يَرُعْكَ قَوْلُ قَائِلٍ وَلَا اعْتِرَاضُ مُعْتَرِضٍ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: قُلِ الْحَقَّ وَلَوْ كَانَ مُرًّا، وَالْحَمْلُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ. (قُلْتُ: زِدْنِي. قَالَ: لِيَحْجُزْكَ) : بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ، أَيْ: لِيَمْنَعْكَ (عَنِ النَّاسِ) أَيْ: عُيُوبُهُمْ (مَا تَعْلَمُ مِنْ نَفْسِكَ) أَيْ: مِنْ عُيُوبِهَا، كَمَا وَرَدَ عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ: «طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ» . قَالَ مِيرَكُ: حَدِيثُ الْمَتْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، «عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: " أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ رَأْسُ الْأَمْرِ كُلِّهِ، عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ ذِكْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ وَنُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ، عَلَيْكَ بِطُولِ الصَّمْتِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ، فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ عَنْكَ وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ، إِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ، فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ، عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي، أَحِبَّ الْمَسَاكِينَ وَجَالِسْهُمْ، انْظُرْ إِلَى مَنْ تَحْتَكَ وَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ فَوْقَكَ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللَّهِ عِنْدَكَ، صِلْ قَرَابَتَكَ وَإِنْ قَطَعُوكَ، قُلِ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، لَا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، لِيَحْجُزْكَ عَنِ النَّاسِ مَا تَعْلَمُ مِنْ نَفْسِكَ، وَلَا تَجِدْ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَأْتِي، وَكَفَى بِالْمَرْءِ عَيْبًا أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ: أَنْ يَعْرِفَ مِنَ النَّاسِ مَا يَجْهَلُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَسْتَحْيِي لَهُمْ مِمَّا هُوَ فِيهِ، وَيُؤْذِي جَلِيسَهُ. يَا أَبَا ذَرٍّ لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ وَلَا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ» ".

<<  <  ج: ص:  >  >>