للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ حَسَنٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا عَجُوزٌ فَقَالَ: " مَنْ هَذِهِ؟ " قَالَتْ: هِيَ عَجُوزٌ مِنْ أَخْوَالِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْعُجُزَ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ "، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَرْأَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُهُنَّ خَلْقًا غَيْرَ خَلْقِهِنَّ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْوَفَاءِ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ عَجُوزًا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَتْهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهَا، وَمَازَحَهَا: " إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ "، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الصَّلَاةِ، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، حَتَّى رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ تَبْكِي لِمَا قُلْتَ لَهَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ، فَضَحِكَ وَقَالَ: " أَجَلْ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ، وَلَكِنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً - فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا - عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: ٣٥ - ٣٧] ، وَهُنَّ الْعَجَائِزُ الرُّمْصُ» . قَالَ مِيرَكُ: هُوَ جَمْعُ الرَّمْصَاءَ، وَالرَّمَصُ وَسَخُ الْعَيْنِ يَجْتَمِعُ فِي الْمُوقِ، هَذَا وَجَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ ضَمِيرَ {أَنْشَأْنَاهُنَّ} [الواقعة: ٣٥] لِلْحُورِ الْعِينِ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنَ السِّيَاقِ أَيْضًا، فَالْمَعْنَى: خَلَقْنَاهُنَّ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِ وِلَادَةٍ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ ثُمَّ رَبَّيْنَاهُنَّ حَتَّى وَصَلْنَ لِحَدِّ التَّمَتُّعِ، وَيُحْتَمَلُ - وَهُوَ الظَّاهِرُ - أَنَّهُنَّ خُلِقْنَ ابْتِدَاءً كَامِلَاتٍ مِنْ غَيْرِ تَدْرِيجٍ فِي التَّرْبِيَةِ وَالسِّنِّ، لَكِنَّ وَجْهَ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى هَذَا، فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ الضَّمِيرُ إِلَى نِسَاءِ الْجَنَّةِ بِأَجْمَعِهِنَّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ كُلَّهُمْ أَنْشَأَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقًا آخَرَ يُنَاسِبُ الْكَمَالَ وَالْبَقَاءَ وَالدَّوَامَ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَمَالَ الْخُلُقِ وَتَوَفُّرَ الْقُوَى الْبَدَنِيَّةِ وَانْتِفَاءَ صِفَاتِ النَّقْصِ عَنْهَا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>