للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فَالْتَفَتَ) أَيْ: زَاهِرٌ، فَرَآهُ بِطَرَفِ عَيْنِهِ (فَعَرَفَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ) أَيْ: شَرَعَ وَطَفِقَ (لَا يَأْلُو) : بِسُكُونِ الْهَمْزِ وَيُبْدَلُ وَضَمِّ اللَّامِ، أَيْ: لَا يَقْصُرُ (مَا أَلْزَقَ ظَهْرَهُ) : وَفِي الشَّمَائِلِ مَا أَلْصَقَ بِالصَّادِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ مَنْصُوبَةُ الْمَحَلِّ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ: فِي إِلْزَاقِ ظَهْرِهِ (بِصَدْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ: تَبْرُّكًا (حِينَ عَرَفَهُ) : قِيلَ: ذَكَرَهُ ثَانِيًا اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْشَأَ هَذَا الْإِلْزَاقِ لَيْسَ إِلَّا مَعْرِفَتَهُ (وَجَعَلَ) ، بِالْوَاوِ، وَفِي الشَّمَائِلِ فَجَعَلَ ( «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟» ) : وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّمَائِلِ: هَذَا الْعَبْدُ، وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ عَبْدًا ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى الِاشْتِرَاءِ الَّذِي يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى مُقَابَلَةِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ تَارَةً، وَعَلَى الِاسْتِبْدَالِ أُخْرَى، أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ يُقَابِلُ هَذَا الْعَبْدَ بِالْإِكْرَامِ، أَوْ مَنْ يَسْتَبْدِلُهُ مِنِّي بِأَنْ يَأْتِيَنِي بِمِثْلِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ التَّجْرِيدِ، وَالْمَعْنَى مَنْ يَأْخُذُ هَذَا الْعَبْدَ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا) : بِالتَّنْوِينِ جَوَابٌ وَجَزَاءٌ، أَيْ: إِنْ بِعْتَنِي أَوْ عَرَضْتَنِي لِلْبَيْعِ أَوِ الْأَخْذِ إِذًا ( «وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا» ) أَيْ: رَخِيصًا أَوْ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّمَائِلِ: إِذًا تَجِدُنِي وَاللَّهِ كَاسِدًا، بِتَأْخِيرِ كَلِمَةِ الْقَسَمِ عَنِ الْفِعْلِ، أَيْ: مَتَاعًا كَاسِدًا لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّمَامَةِ، وَتَجِدُّ بِالرَّفْعِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بِالنَّصْبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ نَحْوَ: إِذًا وَاللَّهِ نَرْمِيهِمْ بِحَرْبِ

وَلَعَلَّ وَجْهَ الرَّفْعِ هُوَ أَنْ يُرَادَ بِالْفِعْلِ مَعْنَى الْحَالِ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ. قَالَ مِيرَكُ: وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّمَائِلِ تَجِدُونِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى تَكَلُّفٍ. قُلْتُ: صِيغَةُ الْجَمْعِ قَدْ تَأْتِي لِلتَّعْظِيمِ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ لَهُ أَوْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ ( «فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ» ) : تَقْدِيمُ الظَّرْفِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَعَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَفِي الشَّمَائِلِ: أَوْ قَالَ: أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ غَالٍ، وَالشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ " أَوْ " بِمَعْنَى " بَلْ "، وَفِي نُسْخَةٍ: لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ غَالٍ، وَفِيهِ زِيَادَةُ مَنْقَبَةٍ لَا تَخْفَى. (رَوَاهُ) أَيْ: صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) أَيْ: بِإِسْنَادِهِ، وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ. هَذَا وَنَظِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ مَا رَوَى أَبُو يَعْلَى «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُهْدِي إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَكَّةَ مِنَ السَّمْنِ أَوِ الْعَسَلِ، فَإِذَا طُولِبَ بِالثَّمَنِ جَاءَ بِصَاحِبِهِ فَيَقُولُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْطِهِ مَتَاعَهُ، أَيْ: ثَمَنَهُ، فَمَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَتَبَسَّمَ وَيَأْمُرَ بِهِ فَيُعْطَى» . وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ طَرْفَةً إِلَّا اشْتَرَى، ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا هَدِيَّةٌ لَكَ، فَإِذَا طَالَبَهُ صَاحِبُهُ بِثَمَنِهِ جَاءَ بِهِ فَقَالَ: أَعْطِ هَذَا الثَّمَنَ، فَيَقُولُ: أَلَمْ تُهْدِهِ لِي؟ فَيَقُولُ: لَيْسَ عِنْدِي، فَيَضْحَكُ وَيَأْمُرُ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنِهِ» . قُلْتُ: فَكَأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ كَمَالِ مَحَبَّتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلَّمَا رَأَى طُرْفَةً أَعْجَبَتْ نَفْسَهُ اشْتَرَاهَا وَآثَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا وَأَهْدَاهَا إِلَيْهِ عَلَى نِيَّةِ أَدَاءِ ثَمَنِهَا إِذَا حَصَلَ لَدَيْهِ، فَلَمَّا عَجَزَ وَصَارَ كَالْمُكَاتِبِ، رَجَعَ إِلَى مَوْلَاهُ وَأَبْدَى لَهُ صَنِيعَ مَا أَوْلَاهُ، فَإِنَّ الْمُكَاتِبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَتَرْجِعُ الْمُطَالَبَةُ إِلَى سَيِّدِهِ، فَلَعَلَّهُ هَذَا حَقٌّ مَمْزُوجٌ بِمِزَاجِ صِدْقٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>