للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٨٩١ - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا وَقَالَ: لَا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْجُزُهُ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: " كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟ ". قَالَتْ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا، فَقَالَ لَهُمَا: أَدْخِلَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ فَعَلْنَا، قَدْ فَعَلْنَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

٤٨٩١ - (وَعَنِ النُّعْمَانِ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ (ابْنِ بَشِيرٍ) : قِيلَ: مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَهُ ثَمَانِي سِنِينَ وَسَبْعَةُ أَشْهُرٍ، وَلِأَبَوَيْهِ صُحْبَةٌ. ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ سَبَقَ زِيَادَةٌ فِي تَرْجَمَتِهِ. (قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعَ) أَيْ: أَبُو بَكْرٍ (صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا، فَلَمَّا دَخَلَ) أَيْ: بَعْدَ الْإِذْنِ (تَنَاوَلَهَا) أَيْ: أَخَذَهَا (لِيَلْطِمَهَا) : بِكَسْرِ الطَّاءِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا مِنَ اللَّطْمِ وَهُوَ ضَرْبُ الْخَدِّ وَصَفْحَةِ الْجَسَدِ بِالْكَفِّ مَفْتُوحَةً عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ. (وَقَالَ: لَا أَرَاكِ) أَيْ: بَعْدَ هَذَا، وَهُوَ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ مِنْ قَبِيلِ: لَا أَرَيْنَكِ هَهُنَا، أَوْ عَلَى لُغَةِ إِثْبَاتِ حَرْفِ الْعِلَّةِ مَعَ الْجَازِمِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْجَزَرِيِّ:

أَلَا قُولُوا لِشَخْصٍ قَدْ تَقْوَّى ... عَلَى ضَعْفِي وَلَمْ يَخْشَ رَقِيبَهُ

وَقَوْلِ غَيْرِهِ:

أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي

وَعَلَيْهِ وَرَدَتْ رِوَايَةُ قُنْبُلٍ، عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: ٩٠] ، ( «تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -) : الْجُمْلَةُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَرَى، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لَا أَرَاكِ دُعَاءً، وَهَمْزَةُ الْإِنْكَارِ مُقَدَّرَةٌ عَلَى قَوْلِهِ تَرْفَعِينَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: لَا تَتَعَرَّضِي لِمَا يُؤَدِّي إِلَى رَفْعِ صَوْتِكِ، فَالنَّهْيُ وَارِدٌ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَالْأَلِفُ فِي لَا أَرَاكِ لِلْإِشْبَاعِ، وَيَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى النَّفْيِ الْوَاقِعِ مَوْقِعَ النَّهْيِ، أَيْ: لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَرَاكِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ( «فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْجُزُهُ» ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَالزَّايِ، أَيْ: يَمْنَعُ أَبَا بَكْرٍ مِنْ لَطْمِهَا وَضَرْبِهَا. (وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا) : بِفَتْحِ الضَّادِ، أَيْ: غَضْبَانَ عَلَيْهَا ( «فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي» ) أَيْ: أَبْصَرْتِنِي أَوْ عَرَفْتِنِي (أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ) أَيْ: خَلَّصْتُكِ مِنْ ضَرْبِهِ وَلَطْمِهِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ مِنْ أَبِيكِ، فَعَدَلَ إِلَى الرَّجُلِ أَيْ: مِنَ الرَّجُلِ الْكَامِلِ فِي الرُّجُولِيَّةِ حِينَ غَضِبَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. (قُلْتُ: فَمَكُثَ) : قِيلَ: هَكَذَا وُجِدَ فِي أَصْلِ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّعْمَانَ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عَائِشَةَ. قُلْتُ: فَيَكُونُ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ، وَهِيَ مَقْبُولَةٌ إِجْمَاعًا، ثُمَّ هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَيُفْتَحُ، أَيْ: فَلَبِثَ (أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا) أَيْ: لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا عِنْدَهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلنَّهْيِ عَنِ الْهِجْرَانِ فَوْقَهَا.

قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهَا فَمَكُثَ أَبُو بَكْرٍ بَدَلُ أَبِي لِمَا حَدَثَ فِي سَجِيَّتِهَا مِنْ غَضَبِهِ عَلَيْهَا، فَجَعَلَتْهُ كَأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، إِذْ فِي الْأُبُوَّةِ اسْتِعْطَافٌ. قُلْتُ: هَذَا يَبْعُدُ مِنْهَا كُلَّ الْبُعْدِ مَعَ كَمَالِ عَقْلِهَا وَفَهْمِهَا وَأَدَبِهَا وَعِلْمِهَا بِمَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ وَالْوِلَايَةِ، وَأَنْ يَكُونَ غَضَبُ أَبِيهَا فِي بَاطِنِهَا بَعْدَ مُدَّةٍ بِمُجَرَّدِ قَصْدِهِ أَنْ يَلْطِمَهَا، أَوْ مَعَ تَحَقُّقِ لَطْمِهَا رِعَايَةً لِأَجْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَأْدِيبًا لَهَا، وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ كَثِيرًا فِي الصَّحَابَةِ أَنْ يَذْكُرُوا آبَاءَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَهَذَا مِنْ عَدَمِ تَكَلُّفَاتِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>