٤٩٠١ - وَعَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْحَسَبُ: الْمَالُ، وَالْكَرَمُ: التَّقْوَى» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
٤٩٠١ - (وَعَنِ الْحَسَنِ) أَيِ: الْبَصْرِيِّ، فَإِنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ ذِكْرِهِ، فَإِنَّ مُقْتَضَى الْعَادَةِ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِذِكْرِ الصَّحَابَةِ إِلَّا لِسَبَبٍ عَارِضٍ فِي الْإِسْنَادِ مُحْوِجٍ إِلَى ذِكْرِ التَّابِعِيِّ (عَنْ سَمُرَةَ) : بِفَتْحٍ وَضَمٍّ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحَسَبُ) : بِفَتْحَتَيْنِ (الْمَالُ) أَيْ: مَالُ الدُّنْيَا الْحَاصِلُ بِهِ الْجَاهُ غَالِبًا (وَالْكَرَمُ) أَيِ: الْكَرَمُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْعُقْبَى الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الْإِكْرَامُ بِالْفَرِجَاتِ الْعُلَى (التَّقْوَى) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ عَلَى أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ، وَالْأُخْرَى بَاقِيَةٌ فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، وَمَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِعُقْبَاهُ، فَهُمَا ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَمِثَالُهُمَا كِفَّتَا الْمِيزَانِ، وَنِعْمَ مَا قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ الْحَالِ: زِيَادَةُ الْمَرْءِ فِي دُنْيَاهُ نُقْصَانٌ وَرِبْحُهُ غَيْرُ مَحْضِ الْخَيْرِ خُسْرَانُ
قَالَ شَارِحٌ: الْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ، وَالْكَرَمُ ضِدُّ اللُّؤْمِ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ الشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الرَّجُلُ عَظِيمَ الْقَدْرِ عِنْدَ النَّاسِ وَهُوَ الْمَالُ، وَالشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ عَظِيمَ الْقَدْرِ عِنْدَ اللَّهِ التَّقْوَى، وَالِافْتِخَارُ بِالْآبَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا، وَبِهَذَا الْمَعْنَى يَظْهَرُ مُنَاسِبَةُ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ بِعُنْوَانِ الْبَابِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْغَنِيَّ يُعَظَّمُ كَمَا يُعَظَّمُ الْحَسِيبُ، وَأَنَّ الْكَرِيمَ هُوَ الْمُتَّقِي لَا مَنْ يَجُودُ بِمَالِهِ وَيَخْطُرُ بِنَفْسِهِ لِيُعَدَّ جَوَادًا شُجَاعًا. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْحَسَبُ مَا يُعَدُّ مِنْ مَآثِرِهِ وَمَآثِرِ آبَائِهِ، وَالْكَرَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَالشَّرَفِ وَالْفَضَائِلِ، وَهَذَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ. فَرَدَّهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَعِنْدَ اللَّهِ أَيْ: لَيْسَ ذِكْرُ الْحَسَبِ عِنْدَ النَّاسِ لِلْفَقِيرِ ; حَيْثُ لَا يُوَقَّرُ وَلَا يُحْتَفَلُ بِهِ، بَلْ كُلُّ الْحَسَبِ عِنْدَهُمْ مَنْ رُزِقَ الثَّرْوَةَ وَوُقِّرَ فِي الْعُيُونِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مِنْ حَسَبِ الرَّجُلِ إِنْقَاءُ ثَوْبَيْهِ، أَيْ أَنَّهُ يُوَقَّرُ لِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ دَلِيلُ الثَّرْوَةِ، وَذُو الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ عِنْدَ النَّاسِ، وَلَا يُعَدُّ كَرِيمًا عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا الْكَرِيمُ عِنْدَهُ مَنِ ارْتَدَى بِرِدَاءِ التَّقْوَى وَأَنْشَدَ:
كَانَتْ مَوَدَّةُ سَلْمَانَ لَهُ نَسَبًا ... وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ نُوحٍ وَابْنِهِ رَحِمُ
(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) : وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute