(أَوْ كِلَاهُمَا) : مَعْطُوفٌ عَلَى أَحَدِهِمَا. اهـ. فَهُمَا فَاعِلَانِ فِي الْمَعْنَى، وَقَالَ الْأَشْرَفُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: مُدْرِكُهُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا، فَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَ شَيْئًا فَقَدْ أَدْرَكَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ. وَفِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ قَوْلُهُ: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ الْكِبَرُ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا. الْكِبَرُ: فَاعِلُ أَدْرَكَ، وَأَحَدُهُمَا مَفْعُولُهُ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ مَفْعُولِهِ وَهُوَ وَالِدَيْهِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ: عِنْدَ الْكِبَرِ بِالْإِضَافَةِ، وَأَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا مَرْفُوعَانِ، هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ، وَفِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ، وَجَامِعِ الْأُصُولِ، وَبَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَغَيْرُهُ فِي بَعْضِهَا إِلَى قَوْلِهِ عِنْدَهُ بِالْهَاءِ وَالْكِبَرُ بِالرَّفْعِ، وَأَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا بِالنَّصْبِ، نَعَمْ هُوَ فِي التِّرْمِذِيِّ، كَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ» ". اهـ. ثُمَّ عَطَفَ عَلَى (أَدْرَكَ) أَيْ: (ثُمَّ) : بَعْدَ إِدْرَاكِهِ مَا ذُكِرَ وَإِمْهَالِهِ مُدَّةً يَسَعُ فِيهَا قَضَاءَ حُقُوقِهِمَا وَأَدَاءَ بَرِّهِمَا (لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ) : بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ مِنَ الدُّخُولِ أَيْ: لَمْ يَدْخُلْهَا بِسَبَبِ عُقُوقِهِمَا وَالتَّقْصِيرِ فِي حُقُوقِهِمَا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ بِرَّهُمَا عِنْدَ كِبَرِهِمَا وَضَعْفِهِمَا بِالْخِدْمَةِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَمَنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ فَاتَهُ دُخُولُ الْجَنَّةِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ، (ثُمَّ) فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ اسْتِبْعَادِيَّةٌ يَعْنِي: ذَلَّ وَخَابَ وَخَسِرَ مَنْ أَدْرَكَ تِلْكَ الْفُرْصَةَ الَّتِي هِيَ مُوجِبَةٌ لِلْفَلَاحِ وَالْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ لَمْ يَنْتَهِزْهَا، وَانْتِهَازُهَا هُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} [الإسراء: ٢٣] إِلَى قَوْلِهِ: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: ٢٤] ، فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى الِاجْتِنَابِ عَنْ جَمِيعِ الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ كَرَائِمِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالْخِدْمَةِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ الدُّعَاءُ لَهُمَا فِي الْعَاقِبَةِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " «رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَهُ الْكِبَرُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ بِلَفْظِ: " «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute