الْفَصْلُ الثَّالِثُ
٤٩٣٨ - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ وَلَدِي، وَإِنَّهُ قَدْ نَأَى بِي الشَّجَرُ، فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ حَتَّى يَرَوْنَ السَّمَاءَ. قَالَ الثَّانِي: إِنَّهُ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَلَقِيتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ، فَقُمْتُ عَنْهَا. اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا، فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً. وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرْقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ، فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَظْلِمْنِي وَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقْرِ وَرَاعِيهَا، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَهْزَأْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَهْزَأُ بِكَ فَخُذْ ذَلِكَ الْبَقْرَ وَرَاعِيَهَا. فَأَخَذَهُ فَانْطَلَقَ بِهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ مَا بَقِيَ فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٤٩٣٨ - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: بَيْنَمَا) بِالْمِيمِ (ثَلَاثَةُ نَفَرٍ) ، بِالْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ (يَتَمَاشَوْنَ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ: يَسِيرُونَ فِي طَرِيقٍ (أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ) ، أَيْ: جَاءَهُمْ بِكَثْرَةٍ (فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ، فَانْحَطَّتْ) أَيْ: نَزَلَتْ وَوَقَعَتْ (عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ) أَيْ: حَجَرٌ كَبِيرٌ مِنَ الْجَبَلِ (فَأَطْبَقَتْ) أَيِ: الصَّخْرَةُ (عَلَيْهِمْ) وَأَغْلَقَتْ عَلَيْهِمْ بَابَ الْغَارِ وَغَطَّتْهُمْ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا) أَيْ: تَفَكَّرُوا وَتَذَكَّرُوا (أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً) ، صِفَةٌ أُخْرَى لِأَعْمَالٍ أَيْ: خَالِصَةً لِوَجْهِهِ لَا رِيَاءَ وَلَا سُمْعَةَ فِيهَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ابْتِغَاءُ وَجْهِكَ فِيمَا بَعْدُ. كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: صَالِحَةٌ صِفَةٌ لِأَعْمَالٍ، وَفِي الْعِبَارَةِ تَقُدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيِ: انْظُرُوا أَعْمَالًا صَالِحَةً لِلَّهِ، فَأَخْرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ الْأَعْمَالَ الْغَيْرَ الصَّالِحَةِ، وَبِالثَّانِي الْغَيْرَ الصَّالِحَةِ لِلَّهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ. قُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ صَالِحَةٍ وَلِلَّهِ صِفَةٌ لِأَعْمَالًا، سَوَاءٌ أُخِّرَتْ إِحْدَاهُمَا أَوْ قُدِّمَتْ، وَإِنَّمَا حَمَلَ الطِّيبِيُّ الثَّانِيَةَ عَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ ; لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الَّتِي عُمِلَتْ لَا تَكُونُ إِلَّا صَالِحَةً، لَكِنَّ قَوْلَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ابْتِغَاءُ وَجْهِكَ فِيمَا بَعْدُ مُسْتَدْرَكٌ ; لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: لِلَّهِ، نَعَمْ كَلَامُ السَّيِّدِ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ، وَتَنْبِيهٌ نَبِيهٌ، لَكِنْ عَلَى رِوَايَتِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً لِلَّهِ، وَلِذَا قِيلَ: الْخَلْقُ كُلُّهُمْ هَلْكَى إِلَّا الْعَالِمُونَ، وَالْعَالِمُونَ كُلُّهُمْ هَلْكَى إِلَّا الْعَامِلُونَ، وَالْعَامِلُونَ كُلُّهُمْ هَلْكَى إِلَّا الْمُخْلِصُونَ، وَالْمُخْلِصُونَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ. (فَادْعُوَا اللَّهَ بِهَا) أَيْ: بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَبِجَعْلِهَا شَفِيعَةً وَوَسِيلَةً إِلَى إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ (لَعَلَّهُ) أَيْ: عَلَى رَجَاءِ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْ لِكَيْ (يُفَرِّجُهَا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ: يُزِيلُ الصَّخْرَةَ، أَوْ يَكْشِفُ الْكُرْبَةَ، فَفِي الْقَامُوسِ: فَرَّجَ اللَّهُ الْغَمَّ يُفَرِّجُهُ: كَشَفَهُ كَفَرَجَهُ (فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ) أَيِ: الشَّأْنُ (كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ جَمْعُ صَبِيٍّ أَيْ: وَلِي أَيْضًا أَطْفَالٌ (صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ أَيْ: أَرْعَى مَاشِيَتَهُمْ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ فُلَانٌ يَرْعَى عَلَى أَبِيهِ أَيْ: يَرْعَى غَنَمَهُ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute