للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَبْغُونَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ قَالَ الْقَاضِي أَيْ: لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُطْمَعَ فِيهِ (وَإِنْ دَقَّ) بِحَيْثُ لَا يَكَادُ أَنْ يُدْرَكَ (إِلَّا خَانَهُ) أَيْ: إِلَّا وَهُوَ يَسْعَى فِي التَّفَحُّصِ عَنْهُ، وَالتَّطَلُّعِ عَلَيْهِ حَتَّى يَجِدَهُ فَيَخُونُهُ، وَهَذَا هُوَ الْإِغْرَاقُ فِي الْوَصْفِ بِالْخِيَانَةِ. قُلْتُ: بَلْ هُوَ إِغْرَاقٌ فِي وَصْفِ الطَّمَعِ، وَالْخِيَانَةُ تَابِعَةٌ لَهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى عَنِ الطَّمَعِ، وَلَوِ احْتَاجَ إِلَى الْخِيَانَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الطَّمَعُ فَسَادُ الدِّينِ وَالْوَرَعُ صَلَاحُهُ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ (خَفِيًّا) مِنَ الْأَضْدَادِ وَالْمَعْنَى لَا يَظْهَرُ لَهُ شَيْءٌ يَطْمَعُ فِيهِ إِلَّا خَانَهُ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا. قُلْتُ: لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْمَعْنَى الْأَسْبَقَ أَبْلَغُ وَأَنْسَبُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ دَقَّ، فَهُوَ بِالِاعْتِبَارِ أَوْلَى وَأَحَقُّ، وَإِنْ كَانَ تَعْدِيَةُ (خَفِيَ) بِاللَّامِ فِي مَعْنَى الْإِظْهَارِ أَظْهَرُ، فَإِنَّهُ يُقَالُ خَفِيَ لَهُ أَيْ: ظَهَرَ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَيِ: اسْتَتَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ خَفَاهُ يَخْفِيهِ: أَظْهَرَهُ وَخَفِيَ كَرَضِيَ لَمْ يَظْهَرْ، اهـ

فَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ فِي فَتْحِ الْفَاءِ فِي لَا يَخْفَى إِلَّا إِنْ ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ بِكَسْرِهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ) أَيْ: بِسَبَبِهِمَا فَعَنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] ، عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [البقرة: ٣٦] ، أَيْ: حَمَلَهُمَا الشَّيْطَانُ عَلَى الزَّلَّةِ بِسَبَبِهَا (وَذَكَرَ) أَيْ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ كَانَ الشَّكُّ الْآتِي مِنَ الصَّحَابِيِّ، أَوْ ذِكْرُ عِيَاضٍ إِنْ كَانَ مِنَ التَّابِعِيِّ وَهَلُمَّ جَرًّا (الْبُخْلَ) أَيْ: فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ (أَوِ الْكَذِبَ) : قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَيِ: الْبَخِيلُ وَالْكَذَّابُ أَقَامَ الْمَصْدَرَ مَقَامَ الْفَاعِلِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَعَلَّ الرَّاوِيَ نَسِيَ أَلْفَاظًا ذَكَرَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَأْنِ الْبَخِيلِ أَوِ الْكَذَّابِ، فَعَبَّرَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ، وَإِلَّا كَانَ يَقُولُ: وَالْبَخِيلُ أَوِ الْكَذَّابُ. قُلْتُ: الْمَعْنَى كَمَا قَالَ الشَّيْخُ، سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ صِفَةٌ أُخْرَى لَهُمَا أَمْ لَا. هَذَا وَرُوِيَ بِالْوَاوِ وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يُجْعَلَ اثْنَيْنِ مِنَ الْخَمْسَةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: (وَالشِّنْظِيرَ) مَنْصُوبًا عَطْفًا عَلَى الْكَذِبِ تَتِمَّةً لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَا وَاحِدًا فَيَكُونُ الشِّنْظِيرُ مَرْفُوعًا. كَذَا قَالَهُ شَارِحٌ، لَكِنْ قَوْلُهُ: تَتِمَّةً لَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ التَّعَدُّدَ الْمَفْهُومَ مِنَ الْوَاوِ، وَهُوَ الَّذِي فَرَّ مِنْهُ وَاقِعٌ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الشِّنْظِيرُ عَطْفَ تَفْسِيرٍ لِلْكَذِبِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّبَايُنِ، فَالصَّوَابُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى " أَوْ " كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأُصُولُ الْمُعْتَمَدَةُ وَالنُّسَخُ الصَّحِيحَةُ، ثُمَّ الشِّنْظِيرُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ السَّيِّئُ الْخُلُقِ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى التَّصْحِيحِ كَمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (الْفَاحِشُ) نَعْتٌ لَهُ، وَلَيْسَ بِمَعْنَى لَهُ أَيِ: الْمُكْثِرُ لِلْفُحْشِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ مَعَ سُوءِ خُلُقِهِ فَحَّاشٌ فِي كَلَامِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّلَازُمِ الْغَالِبِيِّ، هَذَا وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ: أَوِ الْكَذِبَ بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: رِوَايَتُنَا عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِنَا بِالْوَاوِ إِلَّا ابْنَ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الطَّبَرِيِّ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَلَعَلَّهُ الصَّوَابُ، وَبِهِ تَكُونُ الْمَذْكُورَاتُ خَمْسَةً. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَالشِّنْظِيرُ مَرْفُوعٌ فَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى رَجُلٍ كَمَا سَبَقَ، وَعَلَى تَأْوِيلِ الْوَاوِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا مِنْ تَتِمَّةِ الْكَذِبِ أَوِ الْبُخْلِ أَوِ الْبَخِيلُ السَّيِّئُ الْخُلُقِ الْفَحَّاشُ أَوِ الْكَذَّابُ السَّيِّئُ الْخُلُقِ الْفَحَّاشُ. اهـ. وَمَا قَدَّمْنَاهُ هُوَ التَّحْقِيقُ وَإِنْ خَفِيَ عَلَى بَعْضِ أَرْبَابِ التَّدْقِيقَ وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>