للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٠٥٠ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدَرَ» ".

ــ

٥٠٥٠ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا) أَيْ: كَادَ أَنْ يَكُونَ الْفَقْرُ الْقَلْبِيُّ سَبَبًا لِلْكُفْرِ، إِمَّا بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِمَّا بِعَدَمِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ، أَوْ بِالشَّكْوَى إِلَى مَا سِوَاهُ، أَوْ بِالْمَيْلِ إِلَى الْكُفْرِ لِمَا رَأَى أَنَّ غَالِبَ الْكُفَّارِ أَغْنِيَاءُ مُتَنَعِّمُونَ، وَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فُقَرَاءُ مُمْتَحِنُونَ بِمُقْتَضَى مَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» ". وَقَدْ قَالَ تَعَالَى تَسْلِيَةً لِلْعِبَادِ: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ - مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ - لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران: ١٩٦ - ١٩٨] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَرَوْنَ الْمُشْرِكِينَ فِي رَخَاءٍ وَلِينِ عَيْشٍ، فَيَقُولُونَ: إِنْ أَعْدَاءَ اللَّهِ فِيمَا نَرَى مِنَ الْخَيْرِ، وَقَدْ هَلَكْنَا مِنَ الْجُوعِ وَالْجُهْدِ، وَفِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَّصِلِ إِلَى الْبُخَارِيِّ وَالْمُنْتَهَى إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَشْرَبَةٍ أَيْ غُرْفَةٍ وَأَنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَأَنَّ عِنْدَ رَحْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا، وَهُوَ مَا يُدْبَغُ بِهِ، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ: " مَا يُبْكِيكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ: " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمَا الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ» ". قَالَ الطِّيبِيُّ أَيِ: الْفَقْرُ يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ عَلَى رُكُوبِ كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ فِيمَا لَا يَنْبَغِي طَالِبًا إِزَالَتَهُ عَنْهُ بِالْقَتْلِ وَالنَّهْبِ فِي السَّرِقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا يُؤَدِّيهِ إِلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مُلْكِهِ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ فِي قَوْلِهِ:

كَمْ عَاقِلٍ عَاقِلٍ أَعْيَتْ مَذَاهِبُهُ ... وَكَمْ جَاهِلٍ جَاهِلٍ تَلْقَاهُ مَرْزُوقَا

هَذَا الَّذِي تَرَكَ الْأَوْهَامَ حَائِرَةً ... وَصَيَّرَ الْعَالِمَ النِّحْرِيرَ زِنْدِيقًا

(وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدْرَ) . سَبَقَ مَعْنَاهُ اهـ. وَمُجْمَلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَدَرَ وَيَغْلِبُهُ لَكَانَ الْحَسَدَ. فِي زَعْمِ الْحَاسِدِ أَنْ يَقْلِبَ الْقَدَرَ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ: وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَكُونَ سَبْقَ الْقَدَرِ، عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْقَرِينَتَيْنِ أَنَّ الْحَسَدَ غَالِبًا يَنْشَأُ مِنَ الْفَقْرِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ زَوَالَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِهِ، فَهُوَ مُعَارَضَةٌ بِالْقَضَاءِ أَوْ مُنَازَعَةٌ بِالْقَدْرِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَالْحَسَدُ أَقْرَبُ إِلَى الْكُفْرِ مِنَ الْفَقْرِ الْمُجَرَّدِ، فَالتَّرْتِيبُ الَّذِي ذُكِرَ لِلتَّرَقِّيَ، أَوْ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ سَبَبًا لِحُصُولِ الثَّانِي مَعَ أَنَّ الْحَسَدَ مَرَضٌ مُزْمِنٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَالْفَقْرُ يُبَدَّلُ بِالْغِنَى أَوْ بِالصَّبْرِ وَالرِّضَا، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ غَالِبُ الْأَوْلِيَاءِ، حَتَّى اجْتَمَعَتِ الصُّوفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ: ( «الْفَقْرُ فَخْرِي وَبِهِ أَفْتَخِرُ» ) فَبَاطِلٌ مَوْضُوعٌ، كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>