٥٠٨٥ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خَبٌّ لَئِيمٌ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
٥٠٨٥ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْمُؤْمِنُ) أَيْ: الْبَارُّ (غِرٌّ) : بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (كَرِيمٌ) أَيْ: مَوْصُوفٌ بِالْوَصْفَيْنِ أَيْ: لَهُ الِاغْتِرَارُ لِكَرَمِهِ، وَلَهُ الْمُسَامَحَةُ فِي حُظُوظِ الدُّنْيَا لَا لِجَهْلِهِ (وَالْفَاجِرُ خَبٌّ) : بِفَتْحِ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَتُكْسَرُ وَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ: خَدَّاعٌ (لَئِيمٌ) أَيْ: بَخِيلٌ لَجُوجٌ سَيِّئُ الْخُلُقِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْوَصْفُ الثَّانِي سَبَبٌ لِلْأَوَّلِ؟ وَهُوَ نَتِيجَةُ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ، فَكِلَاهُمَا مِنْ بَابِ التَّذْيِيلِ وَالتَّكْمِيلِ. وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ: لَيْسَ بِذِي مَكْرٍ فَهُوَ يَنْخَدِعُ لِانْقِيَادِهِ وَلِينِهِ وَهُوَ ضِدُّ الْخَبِّ، يُرِيدُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمَحْمُودَ مِنْ طَبْعِهِ الْغِرَارَةُ وَقِلَّةُ الْفِطْنَةِ لِلشَّرِّ وَتَرْكُ الْبَحْثِ عَنْهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ جَهْلًا، وَلَكِنَّهُ كَرَمٌ وَحُسْنُ خُلُقٍ، وَالْفَاجِرُ مِنْ عَادَتِهِ الْبَحْثُ لَا عَلَى أَنَّهُ عَقْلٌ مِنْهُ، بَلْ خُبْثٌ وَلُؤْمٌ اهـ. قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا خَادَعْتَهُ انْخَدَعَا
وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ لَمْ يُجَرِّبُوا الْأُمُورَ، فَهُمْ قَلِيلُو الشَّرِّ مُنْقَادُونَ، فَإِنَّ مَنْ آثَرَ الْخُمُولَ وَإِصْلَاحَ نَفْسِهِ الْمُتَزَوِّدَ لِمِعَادِهِ وَنَبَذَ أُمُورَ الدُّنْيَا، فَلَيْسَ غِرَّا فِيمَا قَصَدَهُ وَلَا مَذْمُومًا بِنَوْعٍ مِنَ الذَّمِّ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْوَجْهُ لِمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ» " وَلِأَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَنْخَدِعُ فِي مَقَامِ اللِّينِ وَالتَّعَطُّفِ مَعَ الْأَغْيَارِ، رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كُلَّمَا صَلَّى عَبْدٌ لَهُ أَعْتَقَهُ، فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ: مَنْ خَادَعَنَا بِاللَّهِ نَنْخَدِعْ. قُلْتُ: وَمِنْ ذَلِكَ انْخِدَاعُ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِكَلَامِ إِبْلِيسَ حَيْثُ قَاسَمَهَا إِنِّي لَكُمَا لِمَنِ النَّاصِحِينَ. قَالَ: وَلَفْظُ الْحَدِيثِ أَيْضًا يُسَاعِدُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَصَفَهُ بِالْغُرُورِ أَيْ: بِوَصْفٍ غَيْرِ كَامِلٍ كَمَّلَهُ بِقَوْلِهِ (كَرِيمٌ) ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ فِيهِ ذَلِكَ نَقْصًا، وَالْخَبُّ بِالْفَتْحِ الْخَدَّاعُ وَهُوَ الْحَرِيزُ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَ النَّاسِ بِالْفَسَادِ، يُقَالُ: رَجُلٌ خَبٌّ، وَقَدْ تُكْسَرُ خَاؤُهُ، وَأَمَّا الْمَصْدَرُ فَبِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ اهـ. فَالْكَسْرُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ فَتَأَمَّلْ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا الْحَاكِمُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «الْمُؤْمِنُ هَيِّنٌ لَيِّنٌ حَيِيٌّ تَخَالُهُ مِنَ اللِّينِ أَحْمَقَ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute